روابط المواقع القديمة للحزب

إن الصفحات الأممية للحزب الشيوعي اليوناني تنتقل تدريجياً إلى صيغة موقع جديد. بإمكانكم الوصول إلى النسخات السابقة للصفحات المحدثة سلفاً  و محتواها عبر الروابط التاليةَ:

 

مُداخلة الحزب الشيوعي اليوناني في تظاهرة النشاط الشيوعي الأوروبي، مدريد 11\5\2024

"استنتاجات تاريخية من تكتيك الجبهات المناهضة للفاشية. صراع الشيوعيين المعاصر ضد الفاشية "

 

أيها الرفاق،

على مدى الأشهر الأخيرة، رفعت وسائل الإعلام الأوروبية البرجوازية "سحابة غبار" كاملة، مقدرةً أن أداء القوى القومية وحتى الفاشية، سيحقق قفزة مميزة في الانتخابات المقبلة. و على هذا النحو، تدعو مختلف الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية البرجوازية في بلدان الاتحاد الأوروبي - كمثال ما يجري في ألمانيا و أيضاً في بلدان أخرى -  إلى دعم السياسة "التقدمية المؤيدة لأوروبا" خلال الانتخابات الأوروبية المقبلة، من أجل "كبح" مزعوم لصعود اليمين المتطرف والفاشية !.

إن نفاقها يفيض! ما دامت تجري في سلسلة من البلدان الأوروبية  و ﺒ"إسناد" من هذه القوى - كما هو حال بلدان البلطيق وبولندا والمجر وبلغاريا وأوكرانيا – إزالة النصب المناهضة للفاشية مع تشييد نصبٍ اﻠ «Waffen SS» النازية  و حظر الأحزاب والرموز الشيوعية، بينما تتم إعادة كتابة التاريخ وفق ما يناسب الرأسماليين الذين هم "الرعاةُ" الأساسيون للفاشية على مر التاريخ و في جميع أنحاء العالم.

بالإضافة إلى ذلك، من خلال سلسلة من القرارات يقوم كل من مجلس أوروبا، والاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأوروبي على حد السواء و لسنوات عديدة، ﺒ"بثِّ" عدائهم للشيوعية، سعياً إلى "مساواة" الشيوعية بالفاشية. أمرٌ في الواقع  يُبرئ الفاشية. حتى أن   الاتحاد الأوروبي حاولَ معنوياً محو يوم النصر على الفاشية 9 أيار\مايو، مُوصِّفاً إياهُ بأنه "يوم أوروبا".

وأخيرا، في تزامُنٍ مع حصول ما ذُكر أعلاه تُخاضُ الحرب الإمبريالية في أوكرانيا، و توجدُ قوى تستحضر "النضال ضد الفاشية" وسياسة "الجبهات المناهضة للفاشية" للمؤتمر اﻠ7 للأممية الشيوعية، لكي تُخفي عن الشعوب الأسباب الفعلية للحرب. و ذلك في حين محاربة كتيبة النازيين الجدد، آزوف إلى جانب أوكرانيا  والتي قدمها زعماء الاتحاد الأوروبي بهذا النحو أم سواه باعتبارها مدافعة عن الحرية والديمقراطية، و تحاربُ على الجانب الآخر مجموعات النازيين الجدد "روسيتش" و"الفيلق الإمبراطوري الروسي" "الفيلق" وما شاكلها، التي يجري تقديمها كمدافعة عن قيم "العالم الروسي".

و مع الأخذ في الاعتبار لكل ما سبق، فإن للمسألة التي نناقشها اليوم راهنيتها الخاصة. إن يومنا هو فرصة ضمن تظاهرة النشاط   الشيوعي الأوروبي، من أجل تسجيل بعض الاستنتاجات المفيدة في رأينا، و التي توصل إليها الحزب الشيوعي اليوناني من خلال دراسة التاريخ، ولكن أيضاً من أجل إيداع بعض جوانب التجارب المعاصرة و تقييمات الصراع ضد الفاشية:

 

1. إن ذكرى 9 أيار\مايو التي أحيينا هذه الأيام، بعد مرور 79 عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية، ليست "يوم الاتحاد الأوروبي" وفقاً لما يحاول ممثلو البنية  الفوقية الرجعية للإتحاد اﻷوروبي، ترسيخه في السنوات الأخيرة بنحو مُنافٍ للتاريخ. إنه يوم النصر العظيم للشعوب على الفاشية، يوم الملحمة الخالدة لجيش الاتحاد السوفييتي اﻷحمر وشعبه، و كذلك لحركات المقاومة في أوروبا و للدور الطليعي والحاسم لأحزابها الشيوعية.

 

2. نقفُ نحنُ الشيوعيون وقفة إجلالٍ لسائر من قاتلوا و سلاحهم بيدهم، وأولئك الذين ضحوا وعُذبوا وسجنوا و أرسلوا للمنفى، و لسائر من نشِط بأي أسلوب ضد "المحور" الإمبريالي النازي لألمانيا وإيطاليا واليابان وإيطاليا و حلفائهم .إن الحزب الشيوعي اليوناني فخور، لكونه مانح الدم الرئيسي و مُرشد كفاح جبهة التحرير الوطني و الجيش الشعبي لتحرير اليونان و منظمة الشباب اليوناني الموحد و غيرها من منظمات جبهة التحرير الوطني، و كذلك تجاه تسطير الآلاف من أعضائه بعملهم البطولي وتضحياتهم إلى جانب القوى العمالية والشعبية المنظمة جماهيرياً، بعض أبرز صفحات تاريخه، و أسهامهم في تحقيق النتيجة المظفَّرة للحرب.

 

  1. إن واقعة محاربة الاتحاد السوفييتي وحركات اﻷنصار ضد الفاشية، لا تغير من حقيقة كون الحرب العالمية الثانية - مثل الحرب العالمية الأولى- حرباً إمبريالية. و هي التي شكَّلت مآلاً للمزاحمات الإمبريالية من أجل إعادة اقتسام الأسواق ومناطق النفوذ، والتي كانت قد احتدمت في ظروف أزمة رأسمالية. فعندما يتعذَرُ حل تناقضات الاحتكارات المتصادمة من أجل ربحيتها، من خلال تسويات هشة في سياق "السلام" الإمبريالي، يُسعى نحو حلِّها بالحرب.

ذاتُهُ هو "الرَحمُ" الذي ولد الحرب العالمية الأولى و الثانية، والحروب التي اندلعت في العقود التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أيامنا هذه في أوكرانيا و في الشرق الأوسط. إن هذا "الرحم" هو علاقات الإنتاج الرأسمالية، و النظام الرأسمالي في مرحلته الإمبريالية. و تُسخِّرُ الطبقات البرجوازية في هذا اﻹطار أيضاً، ضمن تخطيطاتها الحربية، قوى قومية وحتى فاشية، كما نرى في حالة أتباع بانديرا و كتيبة آزوف في أوكرانيا، أو حالة "الكلية السياسية العليا" للفيلسوف الفاشي إيفان إيلين، التي أنشئت مؤخرا في جامعة حكومية كبيرة في العاصمة الروسية.

  1. إن الحرب العالمية الثانية كانت عادلة فقط من جانب الاتحاد السوفييتي الذي كان يكافح من أجل الدفاع عن السلطة العمالية اﻹشتراكية و من جانب حركات المقاومة ضد اﻹحتلال الفاشي و من أجل بقاء و ازدهار شعوبها.

لقد كانت حرباً ظالمة و إمبريالية من جانب بريطانيا والولايات المتحدة، أي القوى ذات المسؤولية تجاه ولادة الفاشية و سيطرتها، لأن الحرب هدفت إلى الحفاظ على دور هذه القوى الذي أمنته في النظام اﻹمبريالي بعد انتصارها في الحرب العالمية اﻷولى، و إلى توسيع هذا الدور. و من ناحية أخرى، كانت الحرب إمبريالية و ظالمة من جانب المحور الفاشي، لأنها كانت تهدف إلى قلب  تناسُبِ القوى المُتشكِّل بعد الحرب العالمية الأولى. لقد كان كلا التحالفين الإمبرياليين يتزاحمان على حد السواء، من أجل تأمين أرباحهما ومصالحهما الجيوسياسية. و يُثقلُ كِلاهما بارتكاب جرائم كبرى ضد الإنسانية. و على سبيل الذك لا الحصر،  فقد تصدَّر المحور الفاشي ارتكاب عمليات الإعدام الجماعية و التطهير، لكن الولايات المتحدة وإنكلترا قصفتا أيضاً مدينة دريسدن، واستخدمتا الأسلحة النووية في هيروشيما وناكازاكي، دون وجود أية ضرورة عسكرية لذلك، بل من أجل تحذير الاتحاد السوفييتي، سعياً منهما إلى فرض تخطيطهما السياسي على تطورات ما بعد الحرب.

و في صفوف الحركة الشيوعية اﻷممية ينبغي ترسيخ استنتاج مفاده أن الحرب كانت ظالمة من جانب جميع القوى البرجوازية التي شاركت في الحرب العالمية الثانية! و لهذا اﻷمر قيمته الخاصة اليوم، عندما ترتدي مختلف القوى البرجوازية "عباءة معاداة الفاشية" وتسعى نحو أغراضها الفعلية  اللصوصية في الحرب الإمبريالية. ضمن حرب يصطدم فيها المحور الإمبريالي الأوروأطلسي (الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي) الذي يُسخِّرُ الطبقة البرجوازية الأوكرانية (التي شرعت في إحقاق الأوكرانيين أعوان النازيين) باعتبارها "رأس حربة" ضد المحور الإمبريالي الأوروآسيوي المتواجد في طور التشكُّل للصين وروسيا وحلفائها.

  1. تُشكِّلُ الفاشية أحد الصيغ السياسية للسلطة الرأسمالية. ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى وتحت تأثير ثورة أكتوبر الاشتراكية المنتصرة، واجهت الطبقة البرجوازية الألمانية والإيطالية حركة شيوعية وعمالية متنامية، شكَّكت بسلطتهما، ففي ألمانيا كانت ثورة 1918-1919، و في إيطاليا تمظهرَ الاحتلال الجماعي لمصانع الشمال الإيطالي، خلال ما عُرفَ بالعامين الأحمرين (1918-1920).  و بالتوازي، سَعَت الطبقة البرجوازية الألمانية المصنَّفة بين خاسرين الحرب السابقة الكبار، إلى جانب الطبقة البرجوازية الإيطالية – التي قدَّرت بأنها أُجحفَت خلال اقتسام الغنيمة اﻹمبريالية بعد الحرب على الرغم من كونها منتصرة – إلى القيام بتشكيك زاخمٍٍ في بتناسبِ القوى القائم حينها. حيث جرى في هذه الظروف اختيار الفاشية - النازية باعتبارها الصيغة الأكثر ملاءمة لسلطتهما السياسية، من أجل قمع العدو الطبقي في الداخل و خوض المواجهة الحربية مع باقي الدول الرأسمالية في الخارج.

إن العنصر الرئيسي الذي يميز الصيغة الفاشية للسلطة الرأسمالية هو التجنُّدُ الفاعل والجماهيري للقوى الشعبية خلف الخطط الرجعية للسلطة الرأسمالية. و هو ما لم يكن بحاجة له منتصرو الحرب السابقة، ما داموا كانوا قد أمَّنوا إجماع القوى العمالية الشعبية تجاه السلطة الرأسمالية، بفضل فائض الأرباح الإمبريالية، وقاموا ببناء تحالفات مع الشرائح الوسطى و شراء ذمم الأرستقراطية العمالية.

و خلاف ذلك، ما من وجود لتمايُزٍ آخر. و ما من تحديد لخصوصية الفاشية والنازية فقط في تعليق العمليات البرلمانية، التي هي خاصِّيةٌ نلاقيها في جميع الأنظمة الديكتاتورية البرجوازية. فكيف يكون الحال إذن، ما دام  ظهور كِلا الفاشية والنازية على حد السواء قد جرى من خلال البرلمانات البرجوازية. هذا و لا يكمنُ الجوهر الخاص للفاشية - النازية لا في القمع غير المسبوق ضد الحركة العمالية الشعبية والشيوعية، الذي ليس بأمر شائع لدى الديكتاتوريات البرجوازية فحسب، بل و أيضاً لدى الأنظمة البرلمانية.

و لنُذكِّر هنا أن الحزب الشيوعي اليوناني واجهَ خلال تاريخه الممتد لـ 105 سنوات، ملاحقات رهيبة من جانب الأنظمة البرجوازية، التي كانت دكتاتورية في بعض الأحيان و امتلكت في أحيان أخرى صيغة الديمقراطية البرلمانية. و على سبيل الذكر نُوردُ أن نظام مِتاكساس الدكتاتوري في اليونان كان قد أسَّس عام 1939 ما يسمى بـ "الإدارة المؤقتة" للحزب الشيوعي اليوناني من عناصر استخباراتية، ساعياً لضرب الحزب الشيوعي اليوناني، بينما يحاربُ اليوم الاشتراكي الديمقراطي مادورو، الذي يتكلَّمُ باسم "اشتراكية القرن الحادي والعشرين" الحزب الشيوعي الفنزويلي، وقام باصطناع حزب شيوعي فنزويلي مزيف "يُعترفُ" به رسمياً من قبل الدولة البرجوازية.

كما و لا يمكن اعتبار استغلال الشعوب الأخرى سمة مميزة للفاشية والنازية، ما دام التقليد البرلماني لفرنسا وإنكلترا كان قد شكَّل الوجه الآخر للاستعمار. حتى أن العنصرية التي تميز النازية، لا تُصادَفُ حصراً لدى الأنظمة الفاشية والنازية. حيث شكلت بِدعةُ  تمدين القبائل الدنيا العباءة الأيديولوجية للاستعمار، في حين حافظت العديد من الدول الرأسمالية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وخاصة بريطانيا العظمى - حتى بعد الحرب - على علاقات وثيقة مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

إن السمات المشتركة للفاشية مع الصيغ السياسية الأخرى، تُظهِرُ أن الكفاح ضد الفاشية يبقى ناقصاً، عندما لا يكون متوجها نحو الصراع من أجل الإطاحة بالسلطة الرأسمالية.

  1. تبنَّى المؤتمر السابع للأممية الشيوعية استراتيجية الجبهات الشعبية المناهضة للفاشية، التي طالبت و على حد السواء قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها، بإقامة حكومة فوق أرضية الرأسمالية، في الفترة الأولى كوسيلة للدفاع ضد صعود الفاشية و في الفترة الثانية كصيغة انتقالية نحو السلطة العمالية.

و قبل الحرب، سعت الأحزاب الشيوعية عِبر "الجبهات" إلى التعاون مع القوى السياسية الاشتراكية الديمقراطية، وحتى مع قوى ديمقراطية برجوازية، بهدف عزل القوى البرجوازية الفاشية ومنع سيطرتها في كل بلد. وفي الوقت نفسه، ركَّزت سائرُ الأحزاب الشيوعية في تلك الفترة نضالها حصرياً ضد القوى الفاشية، و لم تمتنع فحسب عن مجابهة مجمل القوى البرجوازية والدول الرأسمالية التي شاركت في استغلال الطبقة العاملة و في الحرب، بل و أعادت تعميدها في وعي القوى العمالية الشعبية، على أنها قوى مناهضة للفاشية. و غير ذلك، سعت اﻷحزاب الشيوعية خلال الحرب إلى إقامة تعاون - حتى حكومي - مع هذه القوى بعد انتهاء الحرب. وهكذا، لم تتمكن الأحزاب الشيوعية من ربط النضال التحرري المسلح المناهض للفاشية بالكفاح من أجل  تحقيق السلطة العمالية.

نموذجي على ذلك هو مثال بلدنا اليونان، الذي تم تحريره قبل 80 عاما من احتلال القوى النازية، بفضل انتصارات الجيش الأحمر المُهيبة، و الإسهام الذي لا يُستعاض عنه لحركة التحرير المقاومة المسلحة المناهضة للفاشية ومنظماتها، كجبهة التحرير الوطني، و الجيش الشعبي لتحرير اليونان والعديد من منظمات المقاومة المسلحة، التي شُكِّلت بمبادرة من الحزب الشيوعي اليوناني. ومع ذلك، وعلى الرغم من حركة المقاومة الجماهيرية والمسلحة المهيبة هذه، و واقعة تشكُّل ظروف وضع ثوري في اليونان خلال فترة التحرير في تشرين اﻷول\أكتوبر 1944، أي ظروف زعزعة السلطة البرجوازية مع أزمة اقتصادية سياسية معممة، و مع ضعف في وظيفة آليات القمع ومؤسسات الحكم المتواجدة بحوزة طبقة اليونان البرجوازية، لم تتمكن الحركة العمالية الشعبية من تحقيق الغَلَبة. لقد حدث هذا لأن حزبنا لم يُفلِح بنحوٍ واعٍ و مُخطّطٍ في تطوير الكفاح التحرري المسلح ضد الفاشية إلى ثورة اشتراكية، بل احتُبِسَ في خطِّ الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة قوى مناهضة للفاشية. و بهذا النحو، مَنَحَ الطبقة البرجوازية (التي تجاوزت صداماتها القديمة بين الموالين لبريطانيا والموالين للألمان، أمام خوف فقدان سلطتها) وحلفائها الأنكلوأمريكيين الفرصة لشن هجوم سياسي - عسكري شامل ضد الحزب الشيوعي اليوناني والحركة العمالية الشعبية من أجل ترسيخ السلطة البرجوازية المتزعزِعة. وفي سياق هذا الهجوم، لم تتردد ما تسمى بالقوى الديمقراطية البرجوازية عن الاستعانة بأعوان النازيين السابقين. و لم يتمكَّن النضال البطولي الذي خاضه الجيش الديمقراطي اليوناني لمدة ثلاث سنوات من إسقاط هذا التخطيط.

ولكن و حتى في تلك البلدان الأوروبية حيث أفضت سياسة الجبهة المناهضة للفاشية إلى مشاركة الأحزاب الشيوعية في حكومات ائتلافية بعد الحرب، فإن هذا لم يعجز فحسب عن تشكيل الخطوة الأولى للانتقال إلى السلطة العمالية، بل و سُخِّرَ أيضاً من أجل ضمان تحقيق إجماع القوى العمالية الشعبية الأكثر طليعية بشكل خاص على تحقيق استقرار السلطة الرأسمالية. و بعد ذلك تم طرد الأحزاب الشيوعية من جميع الحكومات.

7. من المهم أن ننظرَ اليوم إلى سبب توجيه فكر النظام البرجوازي في جميع أنحاء أوروبا - ولكن في بعض الحالات خارجها أيضاً -  إلى الاستعانة بمثل هذه "العكازات" القومية والعنصرية والفاشية من أجل الوقوف على قدميه. و لا يمكن إنكار واقعة هذا التوجُّه، لأن الدعم المالي لهذه القوى من جانب قطاع من رأس المال يتطور أمام أعيننا، و من قوى آليات البرجوازية القمعية، كالشرطة والقوات المسلحة، ولكن أيضاً مع الدعاية لهذه القوى وعرضها زعماً بأنها "مناهضة للنظام" من قبل وسائل الإعلام "النظامية" الكبيرة.

و يتَّضحُ أن مثل هذه القوى تستخدم من قبل كل طبقة برجوازية، على حد السواء باعتبارها "كلب حراسة" النظام و"رأساً لحربته"  ضد الحركة العمالية الشعبية. و مُعملةٌ في خطأها بنحو بعيد هي الرؤية المُخطئة العديمة الأساس، التي تُزرعُ ضمن صفوف الحركة الشيوعية الأممية، و مفادها أن الفاشية هي "مُصدَّرةٌ" من الولايات المتحدة التي توصَّفُ باعتبارها قوة "فاشية" أو "موالية للفاشية".

8. و هنا أيضاً، يجب أن نُسجِّلَ أن الحزب الشيوعي اليوناني، من خلال دراسة تاريخ الكومنترن، قدَّر أن تقسيم دول النظام الإمبريالي الدولي إلى دول "فاشية" – "مؤيدة للحرب" و "ديمقراطية" - "مؤيدة للسلم"، كان تقسيماً مضراً و خاطئاً. هو تقسيمٌ كان سائدا في صفوف الكومنترن قبل الحرب العالمية الثانية. واليوم تقوم بعض القوى في صفوف الحركة الشيوعية الأممية بإعادة اعتماد هذا التقسيم الخاطئ، الذي يُعتِّمُ على حد السواء على الطبيعة الطبقية للأنظمة البرجوازية، و على سبب ولادة وتعزيز التيار الفاشي، و هو الكامن في الرأسمالية الاحتكارية ذاتها وفي خدمة المصالح الرأسمالية في كل بلد. لقد تعلَّم الحزب الشيوعي اليوناني من التاريخ، و لا يتفق مع هذه المقاربة المتمثلة في تقسيم القوى الإمبريالية إلى "شريرة" ("فاشية"، و"فاشية جديدة") و"خَيّرةٍ"، كما أنه و بالتأكيد لا يتفِّقُ مع النداءات الداعية لصياغة "جبهات مناهضة للفاشية" في اتجاه غير طبقي، أي ضمن تحالفات دون معايير طبقية اجتماعية، ولكن مع كل "التقدميين والشرفاء" على ما غرار ما يدعونا البعض إليه. إن مثل هذه المقاربات والدعوات تقود الحركة الشيوعية والطبقة العاملة نحو نزع سلاحها والتخلي عن مهمتها التاريخية، و إلى صياغة خط "تصحيح" مزعوم للإمبريالية من "القوى الفاشية". و هي في الوقت نفسه، تمنح عذراً لما يسمى بالقوى البرجوازية "الديمقراطية" و"المؤيدة للسلم".

9. من أجل إحقاق المُقاربة المشوهة أعلاه، يُستخدمُ تكهُّن مبنيٌ على التعريف الذي قدمه غيورغي ديميتروف للفاشية في المؤتمر السابع للكومنترن باعتبارها «... دكتاتورية إرهابية علنية للعناصر الأكثر رجعية والأكثر شوفينية، والأكثر إمبريالية للرأس المال المالي». إننا نقدِّر أن المؤتمر السابع فَصَلَ بنحو كامل "سلطة" رأس المال المالي عن مصالح رأس المال الصناعي. و بنحو مقابل لذلك، قام أيضاً بتقسيم مُطلقٍ للدول الرأسمالية إلى دول فاشية وديمقراطية. ونتيجة لهذا التقسيم، جرت أَدلجةُ تحالف الحركة العمالية والشيوعية مع قسم من القوى والدول البرجوازية، و اُضعف تأهبها الطبقي في مواجهة الطبقة الخصم، كما رأينا سابقاً.

إن البعض الذي يهرع اليوم نحو هذا التعريف للفاشية، يتجاهلُ بنحو انتقائي واقعة منح  الأممية الشيوعية تعريفاً آخر للفاشية في برنامجها (1928) قبل هذا التعريف، و الذي كانت قد سجَّلت في سياقه:  «في ظل ظروف مُعينةٍ تاريخية خاصة، يتخِّذ مسار الهجوم البرجوازي والإمبريالي والرجعي صيغة الفاشية»، في حين تم عرض سمات الفاشية بالتفصيل في القرار بشأن الوضع الدولي الصادر عن المؤتمر السادس للأممية الشيوعية (1928). كما يتم تجاهل أن التعريف المشهور لديميتروف، المقدم عام 1935 كان قد أعطي في ظل ظروف تاريخية أخرى، حيث كانت القوى الإمبريالية تخطط للقضاء على الدولة الاشتراكية الوحيدة في العالم، بينما سعى الاتحاد السوفييتي من جانبه إلى إحداث صَدعٍ في صفوف القوى الإمبريالية والاستفادة من تناقضاتها. ولذلك فإن هذا التعريف مأخوذ بعيداً عن الظروف التاريخية التي "ولدته" و يُسعى إلى نقله ميكانيكياً و بنحو غير علمي إلى ظروف اليوم، حيث ما من وجود للاتحاد السوفييتي، في حين أن الوضع المُتشكِّل في الصين اليوم لا يتفق بأي حال مع مبادئ الاشتراكية. إننا نتحدث عن قوة عظمى رأسمالية، تزاحمُ الولايات المتحدة على موقع الصدارة في النظام الإمبريالي العالمي.

  1. و على حد السواء في الماضي أو اليوم، لا يجري تمهيد أرضية ظهور وتطور التشكيلات الفاشية من قِبل القوى اليمينية فحسب، بل و أيضا من قبل قوى الاشتراكية الديمقراطية، التي تدعم نظرية "الطرفين" المنافية للتاريخ، و التي تُطابِقُ بنحو غير مقبول بين الشيوعية والفاشية. و هي بهذا النحو لا تسعى فحسب إلى تبرئة الرأسمالية من جرائم الفاشية النازية، بل و تسعى أيضاً إلى إنسابِ هذه الجرائم إلى الحركة الشيوعية، إلى القوة الوحيدة التي ناهضتها باستمرار و عبر بذل التضحيات.

و بالإضافة إلى ذلك، فإن خيبة أمل القوى الشعبية ذات المعيار السياسي المنخفض، الناجمة عن وعود الأحزاب الحكومية اليمينية و الاشتراكية الديمقراطية، في ظروف غياب أحزاب شيوعية قوية ونضالات عمالية كبيرة، تُوظَّفُ بنحو يعزز الصعود السياسي للقوى القومية والعنصرية وحتى الفاشية. و يتضحُ هذا بنحو أكثر شدة في ظروف الخراب الجماعي  لشرائح البرجوازية الصغيرة والمتوسطة في مرحلة الأزمة الرأسمالية، و ظروف زيادة الفقر والبطالة وتدهور الأحزاب البرلمانية البرجوازية. حيث  تسخِّرُ الطبقة البرجوازية حينها، و بنحو متعدد اﻷشكال الأحزاب النازية باعتبارها مفارز متقدمة من أجل خدمة مصالحها. و تستغل النشاط النازي الذي، يقوم بقوميته المتطرفة وما يسمى بـ "التضامن"، برمي شباكه من أجل دمج القوى الشعبية والعاطلين عن العمل والشرائح البرجوازية الصغيرة المدَمَّرة.

11. وحتى اليوم يُفتَحُ الطريق أيضاً، أمام القوى الفاشية وتبرئتها من قبل تلك القوى "الشيوعية" الانتهازية، التي تتباحثُ أو تتعاونُ أيضاً مع قوى فاشستية، باسم "استعادة سيادة البلاد" من الاتحاد الأوروبي، كما هو الحال في إيطاليا، أو "التصدي للفاشية المُصدَّرة من الولايات المتحدة" كما يجري في روسيا.

12. لقد واجه الحزب الشيوعي اليوناني ويواجه في العقود الأخيرة مختلف التشكيلات الفاشية، التي تستخدم الأيديولوجية القومية، و القومية الاشتراكية اﻹجرامية من أجل "تجميل" نشاطها القاتل ضد المهاجرين والعمال النقابيين والمناضلين الشيوعيين وغيرهم. حيث تمثَّلت إحدى هذه الحالات في منظمة "الفجر الذهبي" الفاشية، التي حاولت إعادة إنتاج تكتيكات "سرايا الإقتحام" النازية واستبدال عملها بالنشاط السياسي. إننا نتحدث عن زمرة فاشية، حافظت بعد سقوط الدكتاتورية العسكرية في السبعينيات على اتصالات مع قادتها، ومع الزمر اليمينية المتطرفة القومية الأخرى، حيث قامت بتغذية عداء بدائي للشيوعية والعنصرية والكراهية للحركة العمالية. و اكتسبت روابط قوية داخل الجيش والشرطة و وكالات الاستخبارات، و تعاطت ممارسة هجمات بلطجية، و وضع عبوات ناسفة ضد مكاتب الحزب الشيوعي اليوناني، و غيره من الأحزاب ومنظمات الشباب، و في المكتبات ودور السينما، على سبيل المثال، هناك حيث تم عرض الأفلام السوفيتية والمناهضة للفاشية. و في الثمانينيات، بدأت  منظمة "الفجر الذهبي" العمل بنحو أكثر تنظيماً، وفي كثير من الأحيان نفذت هجمات و بلطجة، على سبيل الذكر، ضد مهاجرين و طلبة. و مع بداية الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العميقة في الفترة 2008-2009، خرجت منظمة "الفجر الذهبي"من الهامش إلى السطح. حيث أفضت الإجراءات المتتالية المناهضة للشعب التي اتخذتها مختلف الحكومات إلى إعادة صياغة كبيرة للنظام السياسي البرجوازي، بذات القدر، في فضاء الاشتراكية الديمقراطية مع صعود حزب سيريزا وسقوط حزب الباسوك، كما و في فضاء اليمين المتطرف. و استغلت منظمة "الفجر الذهبي" النازية عواقب الأزمة للتقرب من الشرائح الوسطى المتضررة من الأزمة، بالإضافة إلى قطاع بائس من الطبقة العاملة، لم يكتسب تواصلاً و علاقة مع الحركة النقابية العمالية المنظمة ذات التوجه الطبقي. ومع ذلك، فإن انتقالها من الهامش إلى المشهد السياسي لم يكن ممكنا لو لم تكن مدعومة من قبل قطاعات عاتية من الطبقة البرجوازية وأجهزة الدولة. هذا و قدمت منظمة "الفجر الذهبي" نفسها للشعب على أنها "قوة مناهضة للنظام" تُجابِه "النصوص السيئة" وتريد خير الشعب. وفي تظاهرات "الساخطين" ظهرت شعارات رجعية، رُوِّج لها بقوة من جانب وسائل الإعلام البرجوازية مثل "فلتطرد الأحزاب" أو "فلتطرد النقابات"، مانحة بذلك غطاءاً سياسياً لمنظمة "الفجر الذهبي". و على هذا النحو سخَّر النظام البرجوازي منظمة "الفجر الذهبي" من أجل إبعاد قوى عن الصراع الطبقي المنظم و الدعم الانقضاضي لأهداف  الطبقة البرجوازية، على حساب العمال، و ذلك على سبيل المثال، عبر تموضعات ضد الإضرابات و في صالح مواصلة تخفيض الأجور وإلغاء العقود، بنحو، على سبيل المثال،" يمكِّن من إقناع مالكي السفن بإحضار تصنيع طلبيات سفنهم إلى اليونان". هذا و وجد ممثلو "الفجر الذهبي" مكاناً لهم بسهولة في صالونات وسائل الإعلام البرجوازية واكتسبوا مجموعة برلمانية. ومن خلال اعتداءات بلطجية ضد نقابيين و كوادر للحزب الشيوعي اليوناني، ومع قتل المهاجرين، حاولت ترسيخ نفسها على أنها "القبضة الحديدية" للنظام البرجوازي. و في تلك الفترة، حافظت منظمة "الفجر الذهبي" على قنوات تواصلٍ مع الأحزاب البرجوازية الأخرى، ومع شخصيات فاعلة محلية.

و رسم الحزب الشيوعي اليوناني خط الكشف عن دور هذه الزمرة وعزلها مع سواها من التشكيلات الفاشية، عن الحركة النقابية وعن الأنشطة السياسية، في ذات الوقت الذي حافظت فيه الأحزاب البرجوازية الأخرى على موقف "اللباقة" البرجوازية و"المعايير البرلمانية" تجاه هذه التشكيلات.  و نموذجي على ذلك هو رفض عمدة مدينة باترا الشيوعي منح مساحات للدعاية   لمواقف "الفجر الذهبي" النازية قبل الانتخابات. حيث رُفعت دعوى جنائية ضده، ولكن في ظل التضامن الشعبي العام، جرت تبرئة العمدة الشيوعي في المحكمة. و في العديد من المناسبات العامة أعاق الشيوعيون حضور ممثلي "الفجر الذهبي".

هذا و استنهض مقتل الموسيقي المناهض للفاشية بافلوس فيساس، والهجمات القاتلة ضد المهاجرين والنقابيين الشيوعيين، "موجة" شعبية كبيرة من المقاومة، "خنقت" هذه العصابة الفاشية في الوقت الحاضر و أودت بقادتها إلى السجن. ومن الموصوف هو  استغراق فترة محاكمة وإدانة مجرمي "الفجر الذهبي بعد اعتقالهم، 7 سنوات و  ذلك بمسؤولية جميع الحكومات البرجوازية وحكومة سيريزا "اليساري". هذا و ساهم الصراع الشعبي الحاسم الذي كان الشيوعيون رواده، في إدانة المجرمين النازيين.  أبرز الحزب الشيوعي اليوناني ومحامو النقابيين الشيوعيين خلال جلسات محاكمة "الفجر الذهبي"، الدور النازي والنظامي العميق لهذه المنظمة. و واقعة انبثاق النشاط الإجرامي لهذه المنظمة من أيديولوجيتها النازية الإجرامية. لكننا نعلم جيداً أنه ما دام النظام الرأسمالي موجوداً، و الذي هو "رَحمُ" ولادة تشكيلات كهذه، فإننا لن نتخلص من الفاشية. و كما أشار الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني. ذيميتريس كوتسوباس: «إن اﻷمر اﻷهم هو أن يواجه الشعب الشر من جذوره، مع إسقاط النظام الحاضن لبيضة الأفعى هذه، النازية والفاشية».

أيها الرفاق،

 لقد خلُص الحزب الشيوعي اليوناني إلى أن الصراع ضد الفاشية، من أجل الدفاع عن حقوق العمال والمكاسب الشعبية، هو جزء لا يتجزأ  من الصراع ضد الاحتكارات، وضد الاستغلال الرأسمالي وسلطتهم. و  بأي حال من الأحوال لا ينبغي أن ينزلق الحزب الشيوعي اليوناني إلى تحالف مع القوى البرجوازية والانتهازية باسم "مناهضة للفاشية" ضحلة و معدومة الجوهر. و كما قال بريخت: «يشبه جميع أولئك الذين هم ضد الفاشية دون أن يكونوا ضد الرأسمالية، والذين يندبون البربرية المنبثقة من البربرية، أولئك البشر الذين يرغبون في أكل حصتهم من لحم العجل دون ذبحه. يُريدون أكل العجل، دون رؤية دمه. و سيكونون راضين بسهولة إذا ما غسل الجزار يديه قبل تقديم اللحم. إن هؤلاء البشر ليسوا ضد علاقات الملكية التي تلد البربرية. إنهم فقط ضد البربرية. إنهم يرفعون عقيرتهم ضد البربرية، ويفعلون ذلك في بلدان تسود فيها ذات علاقات الملكية بالضبط، لكن الجزارين فيها يغسلون أيديهم قبل تقديم اللحوم».

هذا هو السبب لوجوب التزام الحزب الشيوعي بهدف السلطة العمالية، وبالصراع من أجل حشد قوى التحالف الاجتماعي للطبقة العاملة والشرائح الشعبية الأخرى في المدينة والريف، في توجه للصراع ضد الاحتكارات و الرأسمالية. و بهذا النحو فقط، ستتعزز المعارضة العمالية الشعبية للسلطة البرجوازية وسيروَّج لمنظور الصراع الشعبي من أجل الإطاحة بالهمجية الرأسمالية وبناء المجتمع الاشتراكي الشيوعي الجديد.

و ذلك بوجه خاص اليوم، حيث تواجه الشعوب تفاقم المزاحمات الإمبريالية البينية، وتشتعل أجزاء مختلفة من الكوكب حول كيفية اقتسام الإمبرياليين للثروة الطبيعية، والقوى العاملة، وطرق نقل البضائع، وحصص الأسواق، والدعائم الجيوسياسية، و يجب أن تكون لدينا جبهة واضحة على حد السواء ضد "معاداة الفاشية" الزائفة والنظام الرأسمالي، الذي يلد الفاشية والحرب.

 يجب على الشعوب أن تنهض!

و أن تدخل طريق النضال، مع الشيوعيين في صدارته!

و أن تبعّثَ برسالة مناهضة للحرب و للإمبريالية في الانتخابات الأوروبية، ضد اتحاد الحرب الأوروبي، عبر دعم الأحزاب الشيوعية.