روابط المواقع القديمة للحزب
إن المنفذ من البربرية الرأسمالية ﻠ"السلم" والحرب يتواجدُ فقط في الصراع ضد الاحتكارات والرأسمالية، في الصراع من أجل الاشتراكية!
تعليق صادرٌ عن قسم العلاقات الأممية للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني

استُغل لقاء ترامب وبوتين في ألاسكا لغرس شعور بالطمأنينة و آمال زائفة بإمكانية قيامِ توافقٍ بين القوى الإمبريالية يوصلُ إلى القضاء على أسباب الحرب و إلى تحقيق "سلام فعلي" للشعوب، مما سيضع حدًا لإراقة الدماء في أوكرانيا. كان الحزب الشيوعي اليوناني قد تموضع سلفاً تجاه هذا الموضوع (انظر هنا وهنا)، ومع ذلك، نود في هذه المناسبة التعليق اليوم على بعض المواقف السياسية المتكررة بشأن تحقيق "حل عادل"، والذي يُزعمُ بأن بإمكان الشيوعيين دعمها أيضاً.
من بين ما سمعناه هو تقييم قائل بأن «الطريق نحو السلام الفعلي يكمن في إزاحة من شنوا الحرب من السلطة، على حد السواء على الجانبين الأوكراني والروسي». فضلاً عن الزعم القائل: «لن يكون هناك سلام دائم ما لم تصل قوى يسارية إلى السلطة في هذه البلدان، وهي ليست بالضرورة شيوعية، بل على الأرجح بعض القوى الثورية الديمقراطية». وحتى التفكير الذي مفاده: «وحدها مبادئ تقرير المصير للبشر القاطنين في المناطق المتنازع عليها، باﻹمكان أن تُشكل أساساً لِسلام دائم و فعلي...». في تقديرنا إن المواقف المذكورة أعلاه تحتوي على أوهام و أغلاطٍ كثيرة.
عن السلام "المستقر"
خارجٌ عن الواقع من حيث المبدأ هو التقييم القائل أن بمقدور بعض "الحكومات اليسارية" أو حتى "الحكومات الديمقراطية الثورية"، التي ستُبعد "مرتكبي" الحرب عن السلطة، إحلال السلام. و ذلك لأن كل حكومة تظهر فوق أرضية الرأسمالية، بمعزل عن تسميتها (يسارية، وطنية، ثورية، إلخ) تعمل فوق أساس الاقتصاد الرأسمالي و مطاردة الاحتكارات للربح. و هي مُلزمة باتباع القوانين الصارمة والمناهضة للشعب، التي تنصُّ على "اعتصار" الشعب، من أجل زيادة تنافسية وربحية وكفاءة الاستثمارات الرأسمالية. و من المُثبت أن هذه السياسة تُمهّد "الطريق" للتناقضات التي تتجلى في إطار النظام الإمبريالي العالمي من أجل السيطرة على المواد الأولية والطاقة وطرق التجارة والدعائم الجيوسياسية وحصص الأسواق، إلخ. أي كل العوامل التي تقود في نهاية المطاف نحو الحروب الإمبريالية، بما فيها الحرب الجارية في أوكرانيا.
لقد اكتسب الشعب اليوناني تجربة مريرة من حكومة تعاون حزب سيريزا (أي "ائتلاف اليسار الراديكالي")، مع الحزب "الوطني" (انظر القومي) حزب "اليونانيين المستقلين"، الذي ألقى - للأسباب المذكورة أعلاه - أعباءاً جديدةً مناهضة للشعب على كاهل العمال، وعزز روابط البلاد مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل. هذا و مماثلة هي التجربة الأوروبية والدولية لما يُسمى "الحكومات اليسارية"، سواءَ أحظيت بدعم أحزاب شيوعية أو حتى بمشاركتها.
من الوهم في ظل ظروف الإمبريالية أن ينتظر المرء سلاماً "عادلاً" أو حتى "مستقراً". حيث ثَبُت في الممارسة أن مقاربات مماثلة كانت قد طُورت أيضاً خلال فترة وجود الاتحاد السوفييتي، وخاصةً بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي، والتي أعطت الأولوية لأنظمة الأمن العالمية والإقليمية، فوق أساسٍ خاطئ لما يُسمى "التعايش و المباراة السلميين"، كانت مقاربات مضللة. إن المَنفذ من بربرية الرأسمالية في "السلام" والحرب يتواجدُ في الاشتراكية فقط!
عن منطق "المراحل نحو الاشتراكية"
يتضح من الزعم المذكور أعلاه أن بعض الأحزاب لم تتجاوز بعد منطق "المراحل" الضار، الذي ميّز استراتيجية الحركة الشيوعية في العقود السابقة، والذي لا يزال محفوظاً في برامج العديد من الأحزاب الشيوعية.
إن منطق المرحلة الوسيطة يعبّر عن موقف وسيط عاجز عن حلّ مسألتين حرجتين: مسألة السلطة وملكية وسائل الإنتاج. إن الرأسمالية هي نظامٌ عفا عليه الزمن تاريخياً، ولا يمكن لأي شكل من أشكال الحكم أن يُضفي عليها وجهاً إنسانياً. بمعزل عن واقعة إذا ما كنا بصدد صيغ تقليدية للحكم البرجوازي: ليبرالية و اشتراكية ديمقراطية، أو صيغ حكم برجوازي، و أنها ستُوصف بـ"يسارية" أو "ثورية" أو "تقدمية"، وما إلى ذلك.
لقد تجاوز الحزب الشيوعي اليوناني منطق "المراحل نحو الاشتراكية"، و يُقدِّرُ أن الطريق الواجب سلوكه ليس طريق الحكومات "اليسارية"، بل طريق التحالف الاجتماعي للطبقة العاملة مع الشرائح الشعبية الأخرى، طريق الصراع الأيديولوجي والسياسي والجماهيري ضد الاحتكارات والرأسمالية، من أجل إسقاط بربرية الرأسمالية، و صياغة الظروف للقضاء على أسباب الاستغلال الرأسمالي والأزمات الاقتصادية والحروب الإمبريالية. إن المطلوب ليس مجرد تداول بسيط للحكم، بل إسقاطه ثورياً، مما سيُفضي إلى قيام السلطة العمالية و التملُّك الاجتماعي لوسائل الإنتاج، مع تخطيط علمي مركزي للاقتصاد.
مرة أخرى بشأن "تقرير المصير"
فيما يخصُّ شأن "تقرير المصير"، يجب أن نُذكِّر أن القيادة الروسية، تذرَّعت عند إطلاقها "العملية العسكرية الخاصة" - كما سمّت غزوها أوكرانيا - ﺑ"تطهير أوكرانيا من النازية" وحماية حق السكان الناطقين بالروسية في "تقرير المصير".
و لنُذكِّر أن القوى الأوروأطلسية في اليونان تقوم بدورها بالتذرُّع بحق "تقرير المصير" من أجل ضمِّ أوكرانيا إلى حلف الناتو، في حين كانت قد أحضرت للبرلمان قراراً من أجل انضمام شمال مقدونيا وفنلندا والسويد إلى الناتو، للتصويت، متذرعةً بالضبط بحق "تقرير المصير". وبالطبع، صوّت الحزب الشيوعي اليوناني ضد انضمام هذه البلدان إلى الناتو، وهو ما يتماشى مع موقفه من أجل فكاك اليونان من الاتحادات الإمبريالية لحلفي الناتو والاتحاد الأوروبي.
إنه نفس "الحق" الذي تتذرع به تركيا لتعزيز الحل التقسيمي لِقبرص، والذي يُرسّخ نتائج الغزو والاحتلال التركي لقبرص. وقد أدت "حقوق تقرير مصير" مماثلة إلى تفكك يوغوسلافيا، وإلى قيام محمية كوسوفو، و الذي كثيراً ما تتذرع به مختلف الطبقات البرجوازية في البلقان ومناطق أخرى من العالم.
إن استحضار "حق السكان في تقرير مصيرهم" لا علاقة له بلينين وسياسة البلاشفة. و ذلك ليس فقط لأن البلاشفة كانوا يتحدثون عن "حق الشعوب في تقرير مصيرها" في فترة تاريخية كان فيها ثلثا البشرية عبارة عن مستعمرات، بل أيضاً لأن البلاشفة أوضحوا حينها: «إن مختلفَ مطالب الديمقراطية، بما فيها حق اﻷمم في تقرير مصيرها، ليست شيئاً مطلقاً، بل هي "جزء" من مجموع الحركة الديمقراطية (اليوم الحركة الاشتراكية) العالمية، و من الممكن في بعض الحالات المعينة الملموسة، أن يناقض الجزءُ الكلَّ، و في هذه الحال يجب نبذ الجزء».(ف. إ. لينين: "خلاصة المناقشة حول حق اﻷمم في تقرير مصيرها. المختارات ، المجلد السادس، الصفحة: 114).
لقد دعا لينين إلى دراسة حق تقرير المصير ضمن وحدة جدلية مع الصراع من أجل إسقاط سلطة الطبقة البرجوازية.
يُقاربُ الحزب الشيوعي اليوناني هذه المسألة اليوم بنحو مماثل. يأخذ في الاعتبار واقعة وجود أقليات، دينية وقومية بذات القدر، لأسباب تاريخية في جميع دول البلقان - غالباً من بلدان مجاورة - وكذلك في العديد من بلدان العالم. حيث تسعى دوائر برجوازية و قوى إمبريالية، من أجل تعزيز مصالحها الخاصة، إلى استغلال هذه الأقليات، و تحويلها من "جسور صداقة" يمكن بناؤها بين الشعوب المجاورة، إلى "أدوات" من أجل إعادة تحريك مسائل تغيير الحدود و إلحاق الأراضي. ومع ذلك، فإن تغييرات الحدود لا تخدم مصالح الشعوب، بل على العكس، فهي تُشكِّلُ جزءاً من المزاحمات البرجوازية - الإمبريالية البينية وتقود الشعوب نحو سفك دماء و دمار كبير.
على أساس هذا التقييم، يدافع الحزب الشيوعي اليوناني، من جهة عن حقوق الأقليات القومية والدينية و يُناهضُ النزعة القومية البرجوازية التي تتغلغلُ عبر كل ثغرة، و بذات القدر يُناهضُ النزعة الكوسموبوليتية البرجوازية التي تُسخَّرُ من أجل تبرير التدخلات الإمبريالية. و من جهة أخرى، يدافع الحزب عن وحدة أراضي البلدان وحدودها والمعاهدات الناظمة لها، ويقف في الصفِّ اﻷول لنضال العمال المشترك ضد عدوهم المشترك: الرأسمالية و الطبقة البرجوازية ومصالحها. إن موقف الحزب الشيوعي اليوناني أممي، يدعم صراعَ الشعوب المشترك ضد الطبقات البرجوازية والإتحادات الإمبريالية، من أجل الاشتراكية.
26.08.2025