روابط المواقع القديمة للحزب

إن الصفحات الأممية للحزب الشيوعي اليوناني تنتقل تدريجياً إلى صيغة موقع جديد. بإمكانكم الوصول إلى النسخات السابقة للصفحات المحدثة سلفاً  و محتواها عبر الروابط التاليةَ:

 

عن الحرب في الشرق الأوسط

مقال لقسم العلاقات الأممية للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني

في الأشهر الأخيرة، شهدت البشرية جمعاء هجوماً شاملاً شنته الآلة السياسية العسكرية لدولة إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني،  بالتركيز على قطاع غزة. و عبثاً تحاول معظم وسائل الإعلام البرجوازية الداعمة لإسرائيل، إقناع الشعوب بأن كل شيء بدأ في 7 تشرين اﻷول\أكتوبر 2023، أي عندما شنت حماس هجوماً على إسرائيل، مما أسفر عن مقتل إسرائيليين واحتجاز رهائن منهم. إن الغالبية العظمى من الشعوب تعلمُ أن الدولة البرجوازية الإسرائيلية، بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الأطلسيين الآخرين، احتلت على مدى 7 عقود الأراضي التي توجَّبَ قيامُ دولة فلسطين فوقها بناءاً على قرارات الأمم المتحدة،  مع ممارسة استبدادها بحق الشعب الفلسطيني.

افتتحت "الشهية" النهمة للدولة الإسرائيلية البرجوازية تجاه الأراضي الفلسطينية مع تقسيم أرضِ فلسطين عامي 1947-1948، بقرار من اﻷمم المتحدة نصَّ على تأسيس دولة إسرائيل، مما فتح الطريق أمام قضمها التدريجي للأراضي الفلسطينية. و مذاك   طُرِدَ ملايين الفلسطينيين من أراضيهم. إننا نتحدث عن اجتثاث فعلي لهم من أراضيهم و عن استيلاء مخطط له على الأراضي وتهجير 6 -7 ملايين أو أكثر من السكان من موطنهم. حيث سيطرت إسرائيل على 774 بلدة وقرية فلسطينية، دُمِّرت منها 531  بالكامل وانتقل باقيها إلى سيطرة دولة الاحتلال. و منذ أجيال للآن يعيشُ ملايين البشر الذين بقوا في أماكنهم، إما في الضفة الغربية، حيث يوجد مقر السلطة الفلسطينية، أو في قطاع غزة،  في نظام إقصاء و حرمان كبير و تمييز و إذلال، و بتعبير واحد  في نظام فصل عنصري. و في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، بُنيت مستوطنات و يتواصل بنائها، و التي هي أدوات لتوسيع وترسيخ الاحتلال والقمع بحق شعب بأكمله. حتى أن ما يقارب اﻠ 40% من أراضي الضفة الغربية، والتي قسمتها قوات الاحتلال أيضاً إلى 3 "مناطق أمنية"، هي متواجدة اليوم سلفاً في أيدي المستوطنين، الذين تضاعف عددهم سبع مرات منذ توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 حتى اليوم، ليبلغ عددهم من 115 ألف مستوطن إلى 750 ألفاً. و على مر الزمن تزدري إسرائيل  بكافة حقوق الشعب الفلسطيني، وظلت طوال هذه السنوات تتحرك ضد أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية بجوارها، و ضد ما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة. هذا و نموذجيٌ كان حضور نتنياهو العام الماضي أمام منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يلوح بخريطة مستقبلية لـ "الشرق الأوسط الجديد" خالية من دولة فلسطين بطبيعة الحال. و بالإضافة إلى ذلك، تقوم إسرائيل كل عام بتمرير إجراءات تشريعية لترسيخ نفسها كـ "دولة يهودية"، و تدوس كل حق للملايين من البشر الآخرين الذين يعيشون بها ولديهم أصول قومية أخرى وتقاليد دينية وثقافية أخرى. و تسعى لقمعهم وإبادتهم و إبعادهم. وليس من قبيل الصدفة، هو إظهار الأرقام حتى في بلادنا أن العدد الأكبر للمضطهدين الوافدين كمهاجرين، هو من فلسطين.

إن هذا التطور يلاقي رد فعل الشعوب و كذلك رد فعل دول و قوى مجاورة. و تتعاظم "عقدةُ" التناقضات و تهدد "نار" الحرب  بابتلاع بلدان أخرى أيضا. حيث هناك سلفاً تورط لليمن (الحوثيين)  ولإيران، في حين تتصاعد الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، أمر أدى إلى وقوع مئات القتلى في جنوب لبنان (455 شخصاً) و في إسرائيل (25 شخصاً)، وكذلك في تهجير 150 ألف إسرائيلي من شمال إسرائيل[1]  كما و تهجير عشرات آلاف اللبنانيين الذين يعيشون في المناطق المحاذية للحدود مع إسرائيل.

تجدر الإشارة إلى أنه في الاشتباكات مع حزب الله، تم الإبلاغ عن استخدام "واسع النطاق" من قبل الجيش الإسرائيلي لذخائر الفسفور الأبيض المحظورة، في 17 منطقة على الأقل في جنوب لبنان منذ تشرين اﻷول\أكتوبر 2023، حتى في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.

ولكي نتمكن من إجراء تقييم أكثر اكتمالا للوضع والمخاطر المُحدقة بالشعوب، ينبغي لنا أن ندرس التطورات الرئيسية في المنطقة في ضوء التفاعلات المعاصرة الجارية على المستوى العالمي والإقليمي، لأنها تنشطُ بنحو محفِّزٍ  في المنطقة، وكما تبدَّى  من العدوان الإسرائيلي على مقرٍ دبلوماسي إيراني في دمشق بسوريا، وكذلك، من رد فعل إيران اللاحق، فهي قد تقودُ إلى تعميم الصدامِ الحربي.

ومن الضروري أيضاً تركيز النظر في بعض الحجج البرجوازية والانتهازية المتعلقة بهذه الحرب والتي يعارضها الحزب الشيوعي اليوناني من مواقف مبدئية، وكذلك تتبُّع أثر التطورات المحتملة وخطر انتشار الصدام الحربي و اندماجه مع  الصدام اﻹمبريالي الجاري في أوكرانيا.

أهداف إسرائيل والبيئة الدولية والإقليمية الحالية التي يخاضُ الصدام ضمنها

إن العامل الرئيسي في الحرب في الشرق الأوسط هي دولة الاحتلال الإسرائيلي. إن هدف إسرائيل هو إلغاء حل الدولتين، لذا فهي لا تتورَّع عن الترويج لإبادة الشعب الفلسطيني، وحتى لتهجير من لا يموت منه بالمجزرة الإسرائيلية إلى الصحراء.

و تُقدِّرُ الطبقة البرجوازية الإسرائيلية أنها ممتلكةٌ للقوة السياسية والعسكرية والاقتصادية لفرض تخطيط كهذا، مما سيُبرزها كقوة أساسية في سائر منطقة شرق المتوسط و الشرق الأوسط، و ذلك على حد السواء عبر "جزرة" الاتفاقيات الاقتصادية من طراز "إبراهام" أو عِبر "سوط" العدوانية العسكرية وغزو واحتلال أراضٍ أجنبية، والإضعاف العسكري للأنظمة البرجوزاية  الأخرى المُزاحِمةِ لها في المنطقة، كنظام إيران.

و تُقدِّرُ أن اﻹسهام في ترقية مكانة طبقة إسرائيل البرجوازية ينبثق و بذات المقدار من موقعها الجغرافي ﻛ"عقدة" تجارة عبور بين آسيا وأوروبا من خلال الاستفادة من أراضي "الشريحة" الساحلية لقطاع غزة، والتي ينبغي وضعها و بأي ثمن تحت السيطرة الإسرائيلية (أو حتى الاحتلال)، كما و من استغلال مكامن الهيدروكربونات في البحر المتوسط، بما فيها تلك المتواجدة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، التي يجب أن تعود ملكيتها إلى الدولة الفلسطينية.

وسيتم تسليط الضوء على جوانب هذا التخطيط الإسرائيلي بمزيد من التفصيل أدناه، بالإضافة إلى جوانب الإطار الدولي والإقليمي الذي يتطور ضمنه.

عن مواجهة الكتلة الأوروأطلسية مع الكتلة الأوروبية الآسيوية المتواجدة في طور التشكُُّل

تتأثر التطورات في فلسطين و منطقة الشرق الأوسط الأوسع والبحر الأحمر والخليج، بالمواجهة الأشمل الجارية حول الصدارة في النظام الإمبريالي العالمي، بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك بين المحور الأوروأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و المحور اﻷوروآسيوي الناشئ، الذي تقوده الصين وروسيا. وقد نجمَ سلفاً عن هذه المواجهة وقوع الحرب الإمبريالية في أوكرانيا، المتواجدة الآن في عامها الثالث، في حين تُشعلُ هذه المواجهة من وقت لآخر، مواجهات حول مستقبل تايوان و اقتسام المناطق الاقتصادية الخالصة في بحر الصين الجنوبي (أو البحر الشرقي)، و في أماكن أخرى، كما هو حال أفريقيا (كمثال منطقة الساحل) وفي القطب الشمالي و غيرها. و لا يتمثَّلُ تفصيلٌ أو حدثٌ ثانوي في انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون في تموز\يوليو 2023، ولا في عملية توسيع منظمة البريكس في آب\ أغسطس من نفس العام بعضوية 6 دول جديدة، تتواجد خمسٌ منها في منطقة الشرق الأوسط الأشمل (مصر، إثيوبيا، اﻹمارات العربية المتحدة، إيران و السعودية).

هذا و يجري تمويه المواجهة الجارية بين الجانبين في كل مرة بذرائع مختلفة، كذريعتي "مكافحة الإرهاب" و"حق الدفاع عن النفس" المستخدمتين من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي وحلفائها دون خجل، أو ذريعة تشكيل "محور مناهض للإمبريالية" يُطالبُ ﺒ"عالم عادل ومتعدد الأقطاب" التي يستدعيها الجانب الآخر من المواجهة.

وفي الواقع، يدور صراعُ الجانبين حول النفاذ إلى ثروات المنطقة الطاقية والباطنية، حيث يُقدَّر أن بنحو 49.5% من احتياطيات العالم المؤكدة من الهيدروكربونات (النفط والغاز الطبيعي) متواجدة في منطقة الشرق الأوسط[2]، كما و يدور كذلك من أجل السيطرة على طرق التجارة الحيوية التي تمر عبر المنطقة التي يعبرها جزء كبير من التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا وشمال أفريقيا.  حيث يمر 30% من إجمالي الشحن البحري عبر منطقة البحر الأحمر[3].  حيث تستخدمُ قوى عاتية تصدر منتجاتها إلى أوروبا هذا الطريق البحري،  كالصين والهند. و من الموصوف أن 80% من إجمالي صادرات المنتجات الهندية إلى أوروبا يُشحنُ عبر منطقة البحر الأحمر، في حين تعتمد عليها الصين أيضاً في شحن نحو 95% من صادراتها، ولديها مصلحة اقتصادية قوية في إبقاء ممر البحر الأحمر مفتوحاً[4].

إن النفاذ إلى مصادر الثروة المذكورة، والسيطرة على طرق النقل يؤثران على حصص الأسواق، و على القوة الاقتصادية والسياسية العسكرية لكلا الجانبين، المهتمين بالترويج لمصالح احتكاراتهما، و على حيازتهما ﻠ"دعائم" جيوسياسية في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، لا تهدأ التناقضات داخل الكتلتين، كما و تباينات الطبقات البرجوازية مع التوجُّهِ العام، الذي يُرسمُ في ظروف تبعية متبادلة غير متكافئة، حيث يكون القولُ اﻷولُ للقوى اﻷساسية. و موصوفةٌ بنحو خاص هي تمايزات  تركيا، الدولة العضو في منظمة حلف شمال الأطلسي والمرتبطة بالاتحاد الأوروبي، كما و أيضاً، تمايزات أيرلندا وأسبانيا والسويد، التي أقدمت مؤخراً على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لتُضافَ إلى الدول الـ 145 التي كانت قد اعترفت بفلسطين، إلى جانب السويد (2014) وبعض الدول الأعضاء الحالية في الاتحاد الأوروبي، والتي كانت قد اعترفت بفلسطين في فترة زمنية أخرى، قبل وقت قصير من الانقلابات في أوروبا الشرقية: بلغاريا (1988)،  المجر (1988)، بولندا (1988)، رومانيا (1988).

في الوقت نفسه، تُسجَّلُ و بتدخُّلٍ محفِّزٍْ من جانب الصين و اعتباراً من عام 2019، عملية إعادة ترتيب أشمل في العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإيران و السعودية وقطر والكويت، مع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وما شاكلها.

و إضافة إلى ذلك، تضطلِعُ طبقات برجوازية عاتية في المنطقة - كتلك الموجودة في تركيا ومصر وإيران و السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وغيرها – بدورٍ نشط في الصدام، إما كجزء محتمل منه (كمثال إيران) أو بالقيام بدور الوسيط. وعلى أية حال فإن هدفها هو تعزيز موقعها في الهرم الإمبريالي العالمي والبقاء سالمة في حالة تعميم الصدام وجني الفوائد منه.

 عن اتفاقيات أبراهام و السعودية

تمَظهَرَ في شهر آب\ أغسطس 2023  تقارب مذهل بين إسرائيل و السعودية، وكانت كل اﻷمور تُشير إلى أن هذا البلد سيَنضم أيضاً إلى ما يسمى "اتفاقيات أبراهام". الذي هو تخطيط مستوحى من أمريكا وإسرائيل، وعلى أساسه اعترفت عدد من البلدان العربية بإسرائيل وأقامت علاقات معها، ففي عام 2020 كان انضمام البحرين، والإمارات العربية المتحدة، والمغرب، والإمارات العربية المتحدة و عام2021 تم انضمام السودان. وحتى قبل ذلك، كانت كل من الأردن ومصر قد أعادت اﻹعتبار لعلاقاتها مع إسرائيل.

و كانت القيادة الفلسطينية عام 2020 قد قدَّرت أن «قرار الإمارات والبحرين يخالف مبادرة السلام العربية التي تبنتها جميع الدول العربية في قمة 2002. هي مبادرة تسعى إلى سلام عادل ومتماسك مع انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية، في مقابل التطبيع الكامل لعلاقاتنا معها. أولاً انسحاب الإسرائيليين ثم تطبيع العلاقات[5]».

و في الممارسة عززت الاتفاقيات المحددة، الهادفةُ إلى زيادة الأنشطة التجارية وربحية الرأسماليين في المنطقة، الموقف السياسي لإسرائيل، التي تحتل إلى جانب أراضي الفلسطينيين أيضاً، أراضٍ لسوريا ولبنان، بينما سهلت على الولايات المتحدة تنفيذ خططها ضد الصين وإيران.  وكان الخاسر الأكبر منها هو الشعب الفلسطيني، لأن التخلي عن قرارات الأمم المتحدة بشأن إنشاء الدولة الفلسطينية كان يكتسب عملياً المزيد من الأرض، وكان تفضيل هذه اﻹتفاقيات هو في صالح استمرار الاحتلال الإسرائيلي وما ينجم عنه من اضطهاد لشعب فلسطين.

و بعد هجوم حماس سبَّبت عملية الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، في انتهاك "لحق الدفاع عن النفس" الزائف،  مقتل عشرات الآلاف من المدنيين بما فيهم أكثر من 15 ألف طفل صغير، و قادت إلى انتكاسات في التخطيط المذكور.

الصراع على المنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين

تشمل الأراضي الفلسطينية ما قبل الرابع من حزيران\يونيو 1967، والتي ينبغي أن تُقام عليها الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. الذي هو شريط ضيق من الأرض تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربعاً، تقع ضمنها المنطقة الاقتصادية الخالصة الفلسطينية، حيث لا يمتلك الجزء الآخر من الأراضي الفلسطينية، أي الضفة الغربية نفاذاً له إلى البحر المتوسط. و في اعتبار أن قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية و أن له منفذاً إلى البحر المتوسط، فمن حقه امتلاك منطقة اقتصادية خالصة، والتي ستكون مجاورة للمناطق التي تعود إلى مصر وإسرائيل وقبرص.

 

 

 

 

بأمر من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، انضمت فلسطين إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بتاريخ 1\2\2015. و بتاريخ 10\10\2019 سلم وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نسخة من خرائط وإحداثيات الحدود البحرية لدولة فلسطين استناداً إلى حدود عام 1967 والقرار رقم 242 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وطلب المالكي من غوتيريش مشاركة هذه الوثائق مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من أجل مساعدة الفلسطينيين في جهودهم لترسيم الحدود البحرية، خاصة فيما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخالصة. وقال المالكي حينها إن هذه الوثائق ستساعد دولة فلسطين في الحصول على حقوقها في المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط، مشيرا إلى أن للفلسطينيين الحق في استغلال واستثمار واستكشاف الغاز الطبيعي والنفط في تلك المنطقة. وتم اكتشاف حقل الغاز في غزة أواخر عام 1999، وتشير البيانات الأولية إلى أنه يحتوي على أكثر من 1.1 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. منحت السلطة الفلسطينية حق استكشاف واستغلال الهيدروكربونات إلى كونسورتيوم يتكون من شركة BP البريطانية (التي استحوذت عليها شركة شل لاحقاً، ثم انسحبت)، وصندوق الاستثمار الفلسطيني ومجموعة شركات CCCG التي تعود لمصالح فلسطينية[6]، بموجب عقد مدته 25 عاماً[7].

ومن المعروف أنه في السنوات السابقة كانت هناك خطط لاستغلال مكامنها من خلال تعاون بين دولتي إسرائيل ومصر، حيث كان سيتم تحويل جزء من الأرباح إلى السلطة الفلسطينية. هذا و كان التعاون بين مصر وإسرائيل دائما مفضلا لدى الولايات المتحدة. حيث تعد مصر التي هي أكبر دولة منتجة للغاز الطبيعي في شرق المتوسط، أكبر سوق مستهلك للغاز في المنطقة بسبب نموها السكاني السريع الذي وصل إلى حوالي 112 مليون نسمة. يوجد اليوم خط أنابيب الغاز الطبيعي تحت البحر الذي يربط مدينة عسقلان الإسرائيلية بمدينة العريش المصرية.

هذا و يجري تسييل الغاز الطبيعي الإسرائيلي في مصر ليُصدَّرَ لاحقاً نحو الأسواق الأوروبية. وغني عن القول أن مصر كانت مهتمة باستغلال مكامن الطاقة في غزة التي تجاور المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بها. وهكذا، وقعت المجموعة المصرية "إيغاس" في شباط\فبراير 2021، مذكرة تفاهم مع الكونسورتيوم في قطاع الغاز الطبيعي بهدف تطوير الحقل "لتوفير احتياجات الفلسطينيين من الغاز الطبيعي، مع إمكانية تصدير جزء من إنتاجه إلى مصر[8].

وفي الوقت نفسه، ومع البداية الرسمية للحرب الإمبريالية في أوكرانيا و توجُّهِ الاتحاد الأوروبي إلى "إنهاء اﻹعتماد" على الغاز الطبيعي الروسي، اشتدَّت محاولات إسرائيل للسيطرة على ثروة فلسطين الطاقية وسلبها. وذلك لأن رد فعل الاتحاد الأوروبي أدى إلى انخفاض كبير في واردات الغاز الطبيعي من روسيا، دون تحقيق هدف "إنهاء اﻹعتماد" الكامل على روسيا في مجال الطاقة، بل و ازدادت حاجة الاتحاد الأوروبي إلى استيراد الغاز الطبيعي من منطقة الشرق اﻷوسط و بالطبع من الولايات المتحدة الأمريكية. و في ضوء هذا الصراع العالمي على الطاقة، أفاد بيانٌ صادرٌ عن مكتب نتنياهو في منتصف حزيران\ يونيو2023 ﺒِ: «في سياق الجهود المستمرة بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية،  بالتركيز على تنمية الاقتصاد الفلسطيني و الحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة، فقد تقرر الدفع نحو تطوير حقل الغاز الطبيعي قبالة سواحل غزة (...) ستشكَّلُ لجنة وزارية  برئاسة مجلس الأمن القومي، من أجل الحفاظ على أمن دولة إسرائيل و مصالحها الدبلوماسية في هذا الشأن»[9].

و في نهاية حزيران\ يونيو ذكر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، في تموضع رسمي: «إن تطوير حقل "غزة مارين" أصبح متاحا، وذلك بعد أكثر من 24 عاما على عراقيل إسرائيلية حالت دون استغلاله (...) إن العمل يجري بالشراكة بين شركة مصرية مطورة وصندوق الاستثمار الفلسطيني (...) كانت هناك عراقيل إسرائيلية.. والآن الأمر أصبح متاحاً لتطوير الحقل واستغلاله[10]».

وفي وقت لاحق من الصيف ذاته، كانت هناك تحركات لحماس، فُسِّرت على أنها تحضير لـ "معركة الغاز". حيث زار رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية مصر وإيران ضمن جولة دبلوماسية في المنطقة، كما و جرت اتصالات وزيارات لممثليها إلى روسيا وتركيا[11] .

وفي ذاك الوقت، رأى محللون أن حماس تدرس خيارات متعددة لمنع نهب ثروة فلسطين الطاقية، بما فيها خيارُ المواجهة العسكرية الذي اعتُبِرَ آنذاك احتمالا غير مرجَّح[12] .

ومن المُسلَّم به اليوم هو عمل إسرائيل حتى على خطة كاملة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الصحراء أو إلى بلدان أخرى "راغبة"، هو أمر "يفتح شهية" الطبقة البرجوازية الإسرائيلية للاستغلال الحصري لهذه الثروة.

عن المنطقة ضمن الصراع الجاري للسيطرة على طرق التجارة و الطاقة

إن المنطقة بأكملها هي عبارة عن "مِعبَرٍ" تجاري كما أبرزنا سابقاً. وهذا لا يعني توقُّفَ رسمِ طرق تجارية جديدة على الخرائط، ترتبط بالمصالح المتزاحمة و بكبرى الخطط الرأسمالية الاستثمارية.

 

 

 

 

 

حيث مماثِلٌ هو ما يسمى بـ "طريق التجارة الهندي" الذي "يلامس" ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة ومن هناك سيواصِلُ عبر خط سكة حديد يتخلَّلُ السعودية والأردن وإسرائيل لينتهي عند ميناء حيفا ومن ثم سيستمر إلى ميناء بيرياس وكذلك إلى الموانئ الإيطالية والفرنسية. إن التخطيط الأولي يقولُ بتوسيع شبكة السكك الحديدية الحالية التي تربط الإمارات و السعودية و اﻷردن. حيث سيكلف هذا الطريق التجاري الاحتكارات أقل من كلفة الشحن عبر قناة السويس. إن تخطيط الولايات المتحدة (التي تفضل هذا الممر)، والذي تجلَّى علناً خلال قمة مجموعة العشرين عام 2023 في نيودلهي، هو تخفيض قيمة الممر التجاري الصيني "الحزام و الممر" أو  المعروف أيضاً ﺑ"طريق الحرير[13]".

 

 

 

 

 

هناك "خطة فرعونية" فعلية تقول بشقِّ قناة بديلة لقناة السويس الموجودة اليوم والتي تسيطر عليها مصر. حيث ستمر القناة الجديدة عبر إسرائيل وتحمل اسم رئيس وزائها الأول بن غوريون. تعود الفكرة الأصلية للقناة إلى عام 1963، كما ورد في كتاب "الشرق الأوسط الجديد" لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز، والذي صدر في أواخر التسعينيات. و هي التي تنصُّ على فتح قناة بطول 250 كيلومترا عبر صحراء النقب باستخدام 520 تفجير نووي تحت الأرض، من شأنها ربط خليج العقبة على البحر الأحمر (ميناء إيلات الإسرائيلي) بالبحر الأبيض المتوسط و ميناء عسقلان الإسرائيلي الذي يبعد بالكاد 12 كيلومترا   عن شمال قطاع غزة).

هذا و استبعدت النسخة الأخيرة للخطة استخدام التفجيرات النووية من أجل شقِّ القناة، وتتحدَّثُ عن عمل 300 ألف مهندس وعامل لمدة 5 سنوات من أجل شق قناة  ذات اتجاهين بعرض 200 متر وعمق 50 متراً ستتسع لسفن أكبر من تلك التي تمر حاليا عبر قناة السويس. و التي قد يتجاوزُ طولها قناة السويس بنحو 100 كيلومتر، وتقدر تكلفة شَقِّها بما يتراوح بين 16 إلى 55 مليار دولار، لكنها ستكون مربحة للغاية، حيث تبلغ أرباحها الصافية ستة مليارات (وربما أكثر) سنويا.

حيث ليس بالقليل عددُ من يربط و بالتحديد مشروع القناة هذا بخطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة بحجة "الأمن" وضمان الاستثمارات، فضلاً عن استخدام هذه "الشرائح" الساحلية من الأرض لأغراض تجارة العبور للخطط التجارية للقناة الجديدة[14]

من المفهوم أن هناك قوى عاتية مهتمة بإفشال المخططات المذكورة أعلاه، و خاصة تلك المتضررة من تنفيذها، كالمجموعات الاحتكارية والطبقات البرجوازية للعديد من البلدان الأخرى (الصين، مصر، إيران، تركيا و غيرها) و هي التي لا تنخرط بها و لن تستفيد منها. و بالإضافة إلى ذلك، فإن شَقَّ قناة جديدة ينبغي أن يضمن سيطرة إسرائيل والولايات المتحدة على البحر الأحمر بأكمله، و على سبيل المثال، على جزيرتي تيران وصنافير، اللتين تنازلت عنهما مصر للسعودية وتقعان عند مدخل خليج العقبة واللتين كانتا قد احتُلتا من قبل إسرائيل عام 1956 (خلال أزمة السويس) وفي الفترة 1967-1982. و علاوة على ذلك، ينبغي السيطرة على مدخل البحر الأحمر أو مضيق باب المندب المعروف ﺒ"باب الدموع". إننا إذن بصدد تخطيط ينطوي على عدوانية إسرائيل وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط. دعونا لا ننسى أن إلى جانب امتلاك الولايات المتحدة قواعد عسكرية في المنطقة (في جيبوتي)، تمتلك الصين وروسيا أيضاً قواعد عسكرية و هي التي نفذت مؤخراً مع إيران تدريبات عسكرية لها في الخليج.

بالإضافة إلى ذلك، تتواجدُ"قيد التنفيذ" تخطيطاتٌ أخرى تتعلق بخطوط أنابيب الغاز الطبيعي، كخط أنابيب شرق المتوسطEastMed. حيث تتواجدُ و بالتأكيد تخطيطاتٌ مزاحِمة، كإمدادِ الغاز إلى مصر أو قبرص لتسييله ومن ثم نقله بالسفن إلى الأسواق. حتى أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، كان  - قبل أيام قليلة من هجوم حماس على إسرائيل - قد أعاد طرح الاقتراح على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائهما في نيويورك على هامش الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل بناء خط أنابيب تحت البحر لنقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى الساحل التركي، ليتم بعد ذلك توجيهه إلى السوق الأوروبية[15]. و بالتأكيد، تبدو مثل هذه الخطة مستحيلة في الوقت الحالي، نظراً لسعي الطبقة البرجوازية التركية إلى تقديم نفسها على أنها "حامية" لشعب فلسطين.

كما و يجري الترويج لربط كهربائي مماثلٍ ثنائي الاتجاه  بين إسرائيل وأوروبا.

 

 

و على أي حال، لا بد من التأكيد هنا على أن هذه الخطط وغيرها من الخطط التجارية والطاقوية تستهدفُ حصراً خدمة مصالح الاحتكارات، ولا علاقة لها بإرضاء الحاجات الشعبية المعاصرة. بالإضافة إلى ذلك، فهي تنطوي على مخاطر كبيرة على الشعوب، ما دامت أرباح رأس المال تتعارضُ مع حماية البيئة وسلامة الشعوب، في حين و كما يتبدَّى من الوقائع، فإنها تنطوي على "بذور" المزاحمات الشرسة والمواجهات العسكرية التي تسفك دماء الشعوب من أجل مصالح الاحتكارات.

عن "جَرِّ" الهند ودورها

من المهم التوقُّف عند دور الهند في التطورات و عند السعي الواضح لكل من المحورين الأوروأطلسي و الأوراسي المتواجد قيد التشكُّل إلى "جَرِّها" إلى تخطيطهما. حيث تتواجد الهند، أكبر دولة على كوكبنا من حيث عدد السكان (1.41 مليار نسمة) بين أعتى وأسرع الاقتصادات الرأسمالية نمواً (تحتل المرتبة الثالثة بحصة 7.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) و المرتبة العالمية الرابعة من ناحية القوة العسكرية.

حيث تسعى الولايات المتحدة بثبات إلى صياغة تعاون سياسي عسكري مع الهند، و ضمن هذا التوجُّه قامت بتشكيل رباعية (الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا)، حيث يُطرحُ علناً موضوعُ التصدِّي لنمو النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

 

 

ومن ناحية أخرى، فإن الهند - على الرغم من المنافسة مع الصين والنزاعات الحدودية المستمرة في جبال الهيمالايا -  تشارك مع الصين في سلسلة من الإتحادات الدولية، كالبريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) ومنظمة شنغهاي للتعاون، وهي واحدة من أكبر مشتري الأسلحة الروسية، فضلاً عن أنها تشكِّلُ إحدى "المنافذ" الرئيسية للرأسماليين الروس نحو العالم الخارجي، بعد "أمطار" العقوبات الأوروبية الأطلسية التي أعقبت الغزو الروسي لأراضي أوكرانيا.

هذا هو سبب ارتباط رسم ما يسمى بـ«الطريق الهندي»، الذي ذكرناه أعلاه، بالتخطيطات الأشمل للكتلة الأوروأطلسية ضمن المواجهة مع الصين، و بالمعركة على حصص الأسواق في الشرق الأوسط وأوروبا.  ويرتبط هذا الطريق بالتخطيط الاستراتيجي للولايات المتحدة من ناحية مع "جَرِّ" الهند نحو تحالفها، ومن ناحية أخرى، مع تقليص حصص الصين في أسواق أوروبا. إنها بالنسبة للولايات المتحدة "معركة مزدوجة"، بذات القدر من أجل الهند و أوروبا.

و على أساس ما سبق، ليس من قبيل الصدفة على اﻹطلاق هو تطور علاقات إسرائيل السياسية العسكرية والاقتصادية مع الهند، والذي بدأ بالكاد عام 1992، لكنها تتطور بنحو هام، خاصة في تبادل المعرفة التقنية العسكرية وأنظمة الأسلحة في مجال  الأنظمة المضادة للصواريخ والطائرات المسيَّرة.

و بالتأكيد فإن الجانب الآخر، أي التكتل الأوراسي المتواجد قيد التشكُّل، يقوم أيضاً بتطوير علاقات مماثلة ويوفر طرقاً بديلة لشحن البضائع المنتجة في الهند إلى أسواق أوروبا، إماعبر طريق "الشمال - الجنوب" الذي يتخلَّلُ إيران وبحر قزوين وروسيا ومن هناك إلى الأسواق الأوروبية، أو عبر طريق بحر الشمال واستخدام فلاديفوستوك، أو حتى عبر ممر تجاري يتخلَّلُ العراق وتركيا

 الحرب  - المَنفَذ من أجل رأس المال "الرَّاكِد"

في أيامنا هذه، اتخذت مشكلة فرط تراكم رأس المال الذي لم يعد قادرا الآن على ضمان ربحية مُرضية، أبعادا متفجرة. حيث تسعى الحكومات البرجوازية إلى صياغة منافذٍ للتخفيف من هذه الظاهرة، من ناحية، عن طريق التحول "الأخضر" ("الصفقة الجديدة" الخضراء الذائعة الصيت)، ومن ناحية أخرى عن طريق التدخلات والحروب الإمبريالية. و على هذا النحو، يخلقُ "التحول الأخضر" فرصاً جديدة لاستثمارات رأسمالية كبيرة (كمزارع الرياح الكبيرة) و في الوقت نفسه يُساعدُ في قيام تخفيض منضبط  لقيمة جزء من رأس المال الحالي (كإغلاق محطات توليد الكهرباء العاملة بالليغنيت). و بالمثل تُوظَّفُ الحرب الإمبريالية بنحو مفيد من أجل الربحية الرأسمالية. حيث يُترجَمُ و بذات القدر، التدمير العسكري للبنية التحتية في أوكرانيا كما والإغلاق "السلمي" لخط الأنابيب الروسي - الألماني "نورد ستريم 2"، في شكل مجالات جديدة مربحة لرأس المال. حيث  يتحدث سلفاً ماريو دراغي وغيره من كبار المسؤولين عن «الحاجة إلى خطة مارشال جديدة، يمكن أن تتجاوز 1 تريليون يورو من أجل إعادة إعمار أوكرانيا»[16].

حيث يتَّضح أن «التحول الأخضر، باعتباره أداة مركزية لتخفيف فرط التراكم، يبدو على اﻷغلب غير كافٍ لمجابهة المشكلة[17]».

و إذا توقفنا عند مسألة تسخير الحرب، فسنرى أن لهذا بعدان على الأقل: أ) زيادة الإنفاق الحربي، حيث يتم استثمار رؤوس أموال متراكمة من أجل تحقيق أرباح جنونية للرأسماليين، ب) بُعد إعادة بناء تلك المدن والبنى التحتية التي دمرتها الحروب، و مرة أخرى لصالح ربحية مجموعات البناء الكبيرة.

يتحدث تقرير للمعهد اﻷممي لأبحاث السلام (SIPRI) ومقره ستوكهولم عن البُعد الأول، و يقدِّر أن الإنفاق العسكري سجل رقما قياسيا عالميا جديدا وبالقيمة الفعلية، باستثناء التضخم، ارتفع بنسبة 6.8% عام 2023 ليصل إلى 2.44 تريليون دولار، مقابل 2.24 تريليون دولار عام 2022 و ذلك بنحو رئيسي بسبب الحرب الجارية في أوكرانيا[18].

وفي الوقت نفسه، لا ينبغي أن يفوتنا أن نذكر أن «قطاع الصناعة الحربية شكَّل تاريخياً - ولا يزال حتى اليوم - دعامة هامة للتخفيف من أزمة فرط التراكم، لأنه يشكل أيضاً خزاناً كبيراً للإنفاق الحكومي الذي يمكن أن يحقق استقرار ربحية رأس المال في عدة قطاعات. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تخفيف فرط التراكم من خلال الإنفاق الحكومي على الأسلحة يزيد من الحاجة إلى استخدامها، وإلا فلن يكون هناك من "تدمير لرأس المال"[19]».

و تُفيدُ نظرة على الأدلة المستمدة من حرب أوكرانيا بتدمير عشرات الآلاف من المركبات، المدرعة وغيرها، والطائرات والمروحيات والسفن الحربية، فيما استخدمت أطنان من الذخيرة والأسلحة. كما و ظهرت في أوائل شباط\فبراير 2024 تقديرات لمحللين عسكريين تتحدث عن تدمير 1108 مدرعة إسرائيلية داخل غزة، ما يعادل تدمير 3 فرق مدرعة[20].

و أيضاً تفوق تكاليف شن الحرب كل مخيلة، إذا أخذنا على سبيل الذكر أن اعتراض الهجوم الجوي الإيراني -الذي جرى ردا على اغتيال مسؤولين إيرانيين بقصف إسرائيلي لمبنى دبلوماسي في دمشق بسوريا - كان وحده قد كلف إسرائيل في ليلة واحدة مبلغ 1.35 مليار دولار[21].

و ليس من قبيل الصدفة على اﻹطلاق في عام 2023 هو تحقيق زيادة بنسبة 49٪ في أرباح أن شركة صناعات الطيران الإسرائيلية (IAI) [22] التي تعتبر شركة رائدة في أنظمة الدفاع الجوي البحرية والبرية والطائرات بدون طيار والتي استحوذت العام الماضي في بلادنا على 90.9٪ من شركة Intracom Defense (IDE)[23].

ومن ناحية أخرى، فإن البعد الثاني لربحية رأس المال من الحروب، أي إعادة بناء البنى التحتية و "إعادة الإعمار" هو طريق منفذ يجلب الذهب. ومن الموصوف أن التقديرات خلال عامين ونصف من الحرب في أوكرانيا، تشير و بحسابات معتدلة إلى  تدمير ما لا يقل عن 106 مستشفيات وعيادات و109 أماكن دينية (كنائس ومعابد ومساجد وأديرة) و708 مؤسسات تعليمية (مدارس وكليات وجامعات). وكذلك 210 ألف مسكن[24].

كما و مَهولٌ أيضاً هو الدمار الذي لحق بقطاع غزة فقط خلال تسعة أشهر. حيثُ أفاد مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات)، استنادا إلى صور جمعها في 3 أيار\مايو 2024، أن 55% من المباني في غزة (ما مجموعه 137,297 و في معظمه هو مبان سكنية) كان قد تعرض لتدمير جزئي أو كلي[25]. و تُفيد مصادر إعلامية بتدمير 427 مبنى تعليمي، 248 مستشفى ووحدة صحية، 804 مسجد، 3 كنائس، 206 موقع أثري[26]. و ذلك مع تفكُّرنا بأن الحرب في أوكرانيا مستمرة لزمن يبلغ ثلاث أضعاف زمن حرب غزة و أن امتداد طول جبهتها 1000 كيلومتر، في حين بالكاد يبلغ طول "الجبهة" في غزة  40 كيلومتراً.

باختصار، تقدر تكلفة إعادة إعمار المناطق التي تجري فيها مواجهات عسكرية، كشرق أوكرانيا أو قطاع غزة، بعدة مليارات  يورو، وهي عبارةٌ عن منفذٍ آخر لزيادة ربحية شركات البناء و الإنشاءات.

عن موقف الحكومة اليونانية

تزعُمُ حكومة حزب الجمهورية الجديدة على غرارِ حكومة حزب سيريزا السالفة، أن اليونان تمارس "سياسة متعددة الأبعاد" وأنها "عِمادٌ للاستقرار". و بالتأكيد فإن بلدنا تغدو في الممارسة "إسفيناً" للإمبريالية الأمريكية اﻷطلسية يُدقُّ بين "صدامين ساخنين"، حيث تنقُلُ حكومة حزب الجمهورية الجديدة "زيت" تأجيج "نار" الحربين. و هو العمل الذي تُنجزه القواعد العسكرية الأمريكية، و شحن الذخيرة وأنظمة الأسلحة، و مشاركة  القوى المسلحة اليونانية في تخطيطات الإمبرياليين اﻷوروأطلسيين.

وفيما يتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط، فإن حكومة ميتسوتاكيس، التي تتبع خُطى الحكومات السابقة طوال هذه السنوات، "تبيعُ بنحو باهظ" الفكرة الجوفاء القائلة بأن إسرائيل التي هي قريبة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، و بأنها "لاعب دولي مهم" قادر و كفؤ في الكفاح من أجل حماية الحقوق السيادية اليونانية، و التي يكفي أن نمنحها  "مساحة حيوية" لكي "نربطها" معنا بمصالح اقتصادية. مماثلٌ لذلك هو التعاون العسكري مع إسرائيل، والتمارين العسكرية المشتركة، ومن ناحية أخرى خطط الأعمال المذكورة أعلاه، كخطط الحرب في الشرق الأوسط، وخطط خط أنابيب الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى أوروبا، والربط الكهربائي لإسرائيل وقبرص واليونان، و طريق التجارة "بومباي - بيرياس".

هذا و مضللة بنحو عميق وخطرة للغاية هي الرؤية التي تروج لها دوائر قومية وغيرها من الدوائر البرجوازية، بأن دعم الحكومات اليونانية لإسرائيل تجري باعتبارها ثقلاً معطِّلاً لعدوانية تركيا، لكي تتمكن الآلة العسكرية الإسرائيلية من دعم بلدنا في حال وقوع مواجهة حربية. إننا بصدد خرافةٍ دَحضها سفير إسرائيل السابق بكل بلاغة، قبل وقت قصير من مغادرته، قائلاً: "لا ينبغي لأي بلد أن يوكِل أمنه إلى آخرين[27]". 

كما و عديمة الأساس هي الرؤية التي تُفيدُ بأن الحكومات اليونانية هي بيادق عديمةُ اﻹرادة في يد الولايات المتحدة وإسرائيل وترفض المساومة و استخدام البلدان العربية كثقل مُعطِّلٍ. إن هذه الرؤية ليست ركيكة فحسب لأن الحكومات اليونانية تسعى إلى تطوير العلاقات مع البلدان العربية، كمصر والسعودية والإمارات وما شاكلها، بل و لأن هناك صمتٌ أيضاً عن ارتباطِ دعم إسرائيل بمصالح كبرى للطبقة البرجوازية وحلفائها. و هي أسباب طبقية عميقة!.

إننا نشاهِدُ أن "الشوكة في حلق" مثل هذه الخطط التجارية لزيادة ربحيتها هي حق شعبٍ، هو شعبُ فلسطين، الذي يريدون سحقه. و نظراً لاستدعاء "المصالح الوطنية" من جانب الحكومة وحلفائها من أجل دعم إسرائيل، يتوجَّبُ علينا أن نؤكد صراحة أن  ما من "مصلحة وطنية" لليونان أو لأي بلدٍ آخر تبرر ذبح 15 ألف طفل و عدد مماثل من المُسنِّين والنساء.

 إن "المصلحة الوطنية" التي تشير إليها الحكومة، متطابقة مع مصالح وأرباح مستغلي شعبنا. حيث تتواجد ترقية دور الاحتكارات اليونانية خلف التورط في المجزرة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، و في الحرب الإمبريالية الجارية في أوكرانيا بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ضد روسيا الرأسمالية،  و خلف مشاركة السفن الحربية في مهام الناتو و إتاحة استخدام القواعد العسكرية اليونانية[28].

عن التورط العسكري لليونان في الحرب

ضمن إعرابها عن عدوانيتها من أجل تعزيز موقعها في النظام الإمبريالي العالمي، تشارك طبقة اليونان البرجوازية و بنشاط في التخطيط الحربي للكتلة الأوروأطلسية في المنطقة. و على هذا النحو، يتواجدُ في مدينة لاريسا و تحت إدارة يونانية مقر عملية "أسبيدس" البحرية الجارية حالياً. و هي العملية التي شاركت بها الفرقاطة "إيذرا" و من ثم الفرقاطة "بسارا".  حيث تتعاون العملية الأوروبية بنحو وثيق مع EUNAVFOR "أتلانتا" – التي هي عملية أوروبية تتعلق بالأمن البحري في غربي المحيط الهندي والبحر الأحمر - والتي كانت قد شاركت بها في الماضي أيضاً سفن حربية يونانية، بينما تنسق أيضاً مع عملية Prosperity Guardian التي تقودها الولايات المتحدة. حيث تشاركُ اليونان وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا والدنمارك في هذه العملية بالذات، والتي ستستمر لمدة اثني عشر شهراً.

إلى ذلك، تشارك اليونان بفرقاطة ضمن قوة "يونيفيل" قبالة السواحل اللبنانية لمراقبة حظر الأسلحة المفروض على منظمة حزب الله السياسية العسكرية اللبنانية.

و اعتباراً من عام 2021، تشارك اليونان في المبادرة الدولية  (IAMD)، لحماية البنية التحتية الحيوية للسعودية من الهجمات الصاروخية والمُسيرات. حيث تم نشرُ بطارية صواريخ من طراز باتريوت مع طاقمها، و هي المعروفة أيضاً باسم "القوة اليونانية في السعودية"، في نقطة استراتيجية على مشارف الرياض لتوفير مظلة دفاع جوي لمنشآت شركة النفط الحكومية أرامكو.

إن حضورها هناك يورِّطُ  بدوره اليونان أيضاً في حرب الشرق الأوسط، ومن الموصوف، وفقا للمعلومات، هو وضع بطارية  صواريخ  باتريوت اليونانية في حالة تأهب ليلة 13 نيسان\أبريل، عند وقوع هجوم إيران ضد إسرائيل. وبحسب المعلومات فإن رادار النظام الصاروخي اليوناني كان قد رَصد مسار الصواريخ والطائرات المسيرة التي كانت تمر فوق أو بالقرب من الأراضي السعودية باتجاه إسرائيل، و نَقَل المعلومات إلى مراكز العمليات الأمريكية والبريطانية، التي كانت مُفعَّلة من أجل الدفاع عن إسرائيل[29]

 الصراع الأيديولوجي والسياسي للحزب الشيوعي اليوناني مع الحجج والتيارات البرجوازية والانتهازية

حول "الإرهاب"

من أجل تبرير تورطها في الحرب وتطورات الشرق الأوسط إلى جانب إسرائيل وحلفائها، تقوم حكومة حزب الجمهورية الجديدة بنحو مشترك مع حزب سيريزا و الباسوك والتشكيلات القومية، بوصم نضال شعب باعتباره "إرهاباً"، باﻹضافة إلى سعيها إلى تبرير المجزرة باسم "دفاع إسرائيل عن نفسها". بل و وصلت إلى حد الامتناع عن التصويت على قرار للأمم المتحدة الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار و هدنة إنسانية في غزة، وهو القرار الذي صوتت لصالحه 120 دولة. و هي و بالإضافة إلى ذلك،  تدعو و بنحو استفزازي الجميع والحزب الشيوعي اليوناني إلى "إدانة الإرهاب".

يعلم الحزب الشيوعي اليوناني جيداً تسخير مسألة ما يسمى ﺒ"الإرهاب" لعدة عقود من قبل الطبقات البرجوازية والقوى الإمبريالية، ضِمن خطط مناهضة للشعب و من أجل تبرير التدخلات والحروب الإمبريالية. حيث غدى مفهوم "الإرهاب"  - "مطاطياً". و يُروَّجُ في الاتحاد الأوروبي لما يسمى بـ "القانون اﻷوروبي لمكافحة الإرهاب"، الذي يستهدف نضالات العمال والمزارعين والشباب. و على هذا النحو، باﻹمكان توصيف تحرك جماهيري، أو اعتصام في موقع عمل أو مكان عام أو شارع، بأنه "عمل إرهابي" مع استخدام الحكم التشريعي المقابل و ممارسة ملاحقات قضائية ضد العمال والمزارعين والطلاب المكافحين. و بنحو مقابِل، فإن مواجهة "النشاط الإرهابي" و"التجذير" تُشكل أساساً لتبرير اتخاذ تدابير للمراقبة الوقائية الجماعية والقمع أيضاً داخل البلدان، كمثال حالات "الطوارئ" مع تشديد مستمر لترسانة التشريعات القمعية على سبيل الذكر لا الحصر.

و بالمِثل يُستخدمُ مفهوم "الإرهاب" أيضا على المستوى الدولي من أجل خدمة أهداف الطبقات البرجوازية، و على هذا النحو، لا يُعتبرُ ما يسمى بـ "الجيش السوري الحر" - المسؤول عن سلسلة من الجرائم في سوريا- "منظمة إرهابية" من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، بينما تعتبر منظمة حماس، إرهابية. ويمكن رؤية أمثلة مماثلة، اعتماداً على ما يناسب الطبقات البرجوازية حول العالم، فيما يخص المنظمات السياسية العسكرية المسلحة الأخرى، كطالبان أو الأكراد السوريين، و ما شاكلها.

و بالإضافة إلى ذلك، تضع الدعاية البرجوازية في "خلَّاط كوكتيل" دعايتها منظمات على غرار القاعدة و حركة طالبان، التي أنشأها الإمبرياليون ودعموها وسلحوها من أجل أغراضهم قبل أن يفقدوا السيطرة عليها، مع قوى مثل حماس التي برزت  كقوة أولى في انتخابات 2006، مما يثبت أن هذه القوة البرجوازية كانت و لأسباب متعلقة بذات العنف الممارس من قبل الاحتلال الإسرائيلي و بأوجه ضعف نشاط قوى سياسية أخرى في غزة، قد أُسندت من قبل قوى شعبية تناضل من أجل تحرير فلسطين.

لدى الحزب الشيوعي اليوناني وجهات نظر أيديولوجية وسياسية وفلسفية متعارضة مع هذه المنظمة السياسية العسكرية، لكنه لن يسمح أبداً بتمرير زعمٍ إلى وعي الشعب يُفيدُ بأن القصف الجماعي لغزة وقتل الآلاف من الأطفال الصغار قد تم من أجل القضاء المزعوم على حماس، من أجل تبرير الاحتلال المديد اﻷعوام، في حين تُظهر الأدلة الواحدة تلو الأخرى استهدافات إسرائيل الفعلية اﻹجرامية على حساب شعب فلسطين.

حتى أننا لا نعطي أي أساس للأدلة التي تفبركها السلطات الإسرائيلية بشأن "الفظائع التي ترتكبها حماس"، حيث كانت قد سقطت سلفاً في الفراغ العديد من هذه الأخبار المزيفة بعد انقضاء الـ 24 ساعة الأولى، بما في ذلك خلال تظاهرات عامة ذات صلة لعروض توثيق للأدلة، كان قد أقدم على تنظيمها صحفيون يونانيون.

 إننا نحتسب أمراً إضافياً أيضاً. و هو أن بإمكان الاحتلال الإسرائيلي المديد اﻷعوام والاضطهاد والفصل العنصري أن يؤدي بالفعل إلى نشوء غضب كبير و ردود انتقامية و ممارسات متطرفة. فالحرب التي تُشنُّ منذ 7 عقود ضد شعب فلسطين هي بذاتها عمل وحشي، حيث قُتل فيها وعُذب مئات الآلاف من الفلسطينيين، و تتمثل المسألة الحاسمة في أن يركز العمال على أسباب الحرب و طابعها، والعواقب المأساوية للاحتلال الإسرائيلي المديد اﻷعوام، و على المذبحة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الذي يكافح و من حقه أن يُكافحَ من أجل تحرُّره بكافة الوسائل بما فيها الصراع و الانتفاضة المسلحة ضد الغازي المُحتل.

عن "صدام الحضارات"

 يقوم البعض "بإعادة تدوير" نظرية "حرب الأديان" أو "حرب الحضارات" المضللة[30]، والتي بموجبها يُرجع كل ما سبق إلى صراع الحضارة اليهودية أو حتى الحضارة اليهودية المسيحية مع الحضارة الإسلامية. ليس هناك من هراء أكبر، لأن هذه المقاربة تمحو التناقضات الطبقية الفعلية، والصراع الطبقي الذي هو القوة الدافعة الفعلية للتاريخ. ومع ذلك، فإن مثل هذه المقاربات هي مناسبة تماماً للطبقات البرجوازية من أجل احتواء الشعوب في النظام. و على هذا النحو نرى اليوم، واعتمادا على أولويات كل طبقة برجوازية، تسخير الكتلة الأوروأطلسية لما يٍُسمَّى "نزعة الحقوق الفردية"  بينما يُستخدم في روسيا ما يسمى ﺒ"الدفاع عن القيم التقليدية".

 وفي حالة الشرق الأوسط، فإن "اتفاقيات أبراهام" المختلفة، التي وقعها في السنوات الأخيرة عدد من البلدان العربية الإسلامية مع إسرائيل، لزيادة أرباح الرأسماليين (العرب واليهود)، تسلط الضوء و بحد ذاتها على السذاجة المقصودة لمقاربات مماثلة أو لإغراضها، حالها حال المساعدة الأخيرة التي قدمتها إسرائيل اليهودية إلى أذربيجان المسلمة من أجل هزيمة الأرمن المسيحيين في ناغورنو كاراباخ...

إذا قمنا بإزاحة "حجاب" وجهات النظر التضليلية التي تحاول تجريم الثقافات المختلفة، أو الديانات المختلفة، أو تبيين الفئة المفضلة لديها من الإرهاب الإسلامي، فإننا سنميِّزُ حينها كل هذه المصالح الرأسمالية الإقتصادية الكبرى، التي ذكرناها أعلاه و سنميِّزُ الرأسمالية وقوانين حركتها و التي هي أيضاً سبب للحروب الظالمة ضمن ظروف الإمبريالية.

عن وجود دولة إسرائيل وشعبها

بدأ ظهور الدولة البرجوازية الإسرائيلية، الذي هو اليوم حقيقة واقعة، بعد سنوات قليلة من الحرب العالمية الثانية. حيث قادت مذبحة اليهود على يد النازيين ومعاداة السامية التي روجت لها الطبقات البرجوازية في العديد من البلدان الرأسمالية قبل الحرب العالمية الثانية إلى قبول الاتحاد السوفييتي والحركة العمالية العالمية بقيام دولة إسرائيل إلى جانب دولة فلسطين . وقد انتهكت دولة إسرائيل البرجوازية هذا القرار بنحو استفزازي، حيث تدوس طبقتها البرجوازية و منذ عقود كل حق من حقوق الشعب الفلسطيني، مع سلبها معظم الأراضي الفلسطينية.

و في البرجوازية الإسرائيلية ودولتها عَثَرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على "الحليف" الذي يحتاجون إليه والذي منحهم حق التحكيم مع الطبقات البرجوازية الأخرى في المنطقة التي سعت بدورِها أيضاً إلى ترقية موقعها. و يستمر لعب هذه "الحويقة" الجيوسياسية بنحو أكثر بشاعة بعد إسقاط الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، حيث تتمثل ضحية هذه اللعبة في شعب بأكمله، هو شعب فلسطين، الذي وُعد بوطن طوال هذه السنوات، لكن حلمه يبقى دون تحقيق.

كما و يُدفّعُ ثمن "الكلفة" أيضاً من قبل شعب إسرائيل، الذي هو أيضاً ضحية السياسات التي تتبعها الطبقة البرجوازية الإسرائيلية ودولتها. و يُعربُ الحزب الشيوعي اليوناني عن تضامنه مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي و مع شيوعيي إسرائيل اليهود و العرب الذين يكافحون في هذا الوقت داخل "فم الذئب"، ويرفعون صوت مقاومة في وجه البربرية الممارسة ضد الشعب الفلسطيني.

و  في ذات وقت إعراب الحزب الشيوعي اليوناني عن تضامنه ودعمه الكاملين لشعب فلسطين و لضرورة أن يكون له دولته الخاصة وأن يكون سيدأ في وطنه، فهو يُشيرُ إلى أن الشعب الإسرائيلي نفسه هو أيضاً، ضحية سياسة دولة إسرائيل البرجوازية وحكومة نتنياهو الرجعية.

وقد قوبل هذا التموضعُ بالعداء من قبل بعض قوى ما يسمى "المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية"، التي لا تمتنعُ فحسب عن الاعتراف بوجود دولة إسرائيل، بل و أيضاً عن الاعتراف بوجود طبقة برجوازية و شعب في إسرائيل، مُوصِّفة إسرائيل ببساطة بأنها «قاعدة أميركية يجب تدميرها».

ترفضُ هذه القوى أن ترى أن السبب اﻷساسي لكل ما تعيشه الشعوب هو النظام الهمجي الاستغلالي في مرحلته الحالية،  الاحتكارية، حيث يشتد الصراع بين الاحتكارات والطبقات البرجوازية و بكافة الوسائل أيضاً، ليس فحسب من أجل استغلال عمال بلدانها فقط، بل و أيضاً عمالَ بلدان أخرى، و حول السيطرة على المواد اﻷولية وطرق نقل البضائع والدعائم الجيوسياسية وحصص اﻷسواق. حيث تتمثَّلُ دعامة جيوسياسية كهذه للولايات المتحدة و اﻹتحاد الأوروبي في إسرائيل و طبقتها البرجوازية و  التي ليست ببساطة قاعدة عسكرية لهم.

عن حل الدولتين وحدود ما قبل عام 1967

لقد سجَّلنا أعلاه أن الاتحاد السوفييتي دعم تأسيس دولة إسرائيل، وعلى وجه الخصوص كان الوفد السوفييتي في الأمم المتحدة قد سجَّل: «إن إنشاء دولة عربية يهودية واحدة تمنح حقوقاً متساوية لليهود والعرب» كان «أفضل أسلوبٍ ( ...) لحل القضية الفلسطينية». ولكنه أشار في الوقت نفسه إلى: «إذا ما تبين أن هذه الخطة مستحيلة، في ظل تدهور العلاقات بين اليهود والعرب (...)، فيجب أن ننظر في الخطة الثانية (...)". الذي ينص على تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين، إحداهما يهودية والأخرى عربية. ومرة أخرى، فإن مثل هذا الحل للمسألة الفلسطينية لن يكون له ما يبرره إلا إذا ثبت أن العلاقات بين السكان اليهود والعرب في فلسطين سيئة للغاية بحيث يصبح من المستحيل المصالحة وضمان التعايش السلمي بين العرب واليهود (...)». كما لم يفُت على الوفد السوفييتي وَصمُ "دول أوروبا الغربية" و"حقيقة (...) عدم تمكُّنها من ضمان الدفاع عن الحقوق الأساسية للشعب اليهودي وحمايته من عنف الجلادين الفاشيين" و هو أمر بدوره "فسَّرَ تطلعات اليهود إلى إنشاء دولتهم الخاصة[31]". 

وكتبت صحيفة برافدا أن "قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة (...) يضمن" "تحرير فلسطين من التبعية الأجنبية، وتلبية التطلعات الوطنية للشعب اليهودي والعربي، وخلق الإمكانية للسكان اليهود والعرب في فلسطين ليصبحوا سادة أماكنهم، بعيداً عن التأثيرات الإمبريالية الأجنبية[32]". و كان اﻹستنكار المعرب تجاه الصراع العربي الإسرائيلي يعتبره "نتيجة للسياسة البريطانية والأمريكية" في المنطقة.

إننا نشير إلى كل ما سبق للتأكيد على أن هناك استمرارية تاريخية للقضية وأن للقرار الأممي بشأن حل الدولتين تطوره[33]، في حين أن ما هو سارٍ اليوم هو أن دولة إسرائيل هي دولة احتلال تنتهك بنحو سافِر قرار الأمم المتحدة المحدد وحق الشعب الفلسطيني.

و لذلك، فإن مقاربات اليوم، من قبيل مقاربة حزب ميرا 25 (يانيِّس فاروفاكيس) وتحالفه الدولي Diem 25، الذي يصطفُّ اعتباراً من عام 2021 ضد حل الدولتين زاعماً أن حل وجود دولة فلسطينية أصبح الآن غير ممكن مع اعتبار أن المستوطنات الإسرائيلية خلقت أمراً واقعاً ينبغي قبوله، هو رضوخ أمام العدوانية الإسرائيلية و قبول بالواقع الذي فرضته بقوتها العسكرية وقوة حلفائها.  إن هذه المقاربة المحددة التي تدعونا جوهرياً إلى التخلي عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على حدود ما قبل عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية - وهو أيضاً الطلب الذي يحظى بأكبر قدر من القبول الدولي (اعترفت به 145 دولة) - و تدعونا لتحويل القضية الفلسطينية من "مسألة قومية إلى مسألة حقوق إنسان"، هي في الممارسة قبولٌ للاحتلال الإسرائيلي، وقبول بأن شعب فلسطين لن يكون له وطن خاص به، و مفادهُ: يكفي أن يكون للفلسطينيين الواقعين تحت الإحتلال بعض "حقوق الإنسان". إن هذه المقاربة الكوسموبوليتية التي تمحو الخصائص القومية وغيرها من خصائص الشعوب، باسم "نزعة إنسانية شاملة" ضبابية، هي أي شيء سوى التقدمية، لأنها تسعى إلى زرع بذور الانهزامية في صفوف شعب فلسطين و كل شعب يناضل في مواجهة تناسب القوى السلبي الدولي.

الصراع من أجل الاشتراكية ومسألة التحرُّر الوطني

 يُعرَبُ من جانب مختلف القوى التروتسكية - التي تميل على أي حال إلى الخلط بين قضايا الصراع من أجل الاشتراكية وإنكار إمكانية بنائها في بلد واحد - عن تفكُّرٍ بشأن النضال التحرري الوطني لشعب فلسطين وما إذا كان ممكناً وجود نضال مماثلٍ في ظروف الإمبريالية، خاصة عندما نقول أن عصرنا هو عصر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية. حيث يُمارسُ البعض  انتقاداً للحزب الشيوعي اليوناني، قائلين أن في حين حديث الحزب عن ضرورة اﻹشتراكية و راهنيتها في جميع الحالات الأخرى فهو في هذه الحالة بالذات يُركز فقط على الحق في إقامة دولة فلسطينية[34].

إن هذه القوى تبدو و كأنها تجهل أن و على الرغم من سيطرة الاحتكارات في يومنا على العالم كله و أننا متواجدون في مرحلة الرأسمالية الاحتكارية وهي ما عرَّفها لينين بالإمبريالية، لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم إمكانية اندلاع نضالات تحرر وطني ضد الاحتلال الأجنبي. و من جانب الفلسطينيين تُخاض حرب تحرير وطني عادلة، حرب ضد الاحتلال تهدف إلى نيل حقهم في وطنهم. لا يمكن أن يكون هناك حديث آخر و تفكير آخر في هذا الأمر. و من جانب إسرائيل وحلفائها (الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي) تُخاض حرب إمبريالية ظالمة تهدف إلى تأبيدِ الاحتلال وخدمة مصالح هذه القوى في المنطقة.

و غير ذلك، ففي عصر الإمبريالية، كان حزبنا الشيوعي اليوناني قد خاض مثل هذا النضال، وشكَّل جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الشعبي اليوناني، ومنظمات المقاومة الأخرى ضد الاحتلال الفاشي الأجنبي (الألماني والإيطالي والبلغاري) خلال فترة 1941- 1944. حيث كان حزبنا الشيوعي اليوناني ممثلاً لعقلِ و منظِّمِ و مانحِ الدمِ لملحمة المقاومة العظيمة هذه، ونحن فخورون بحزبنا، الذي تصدَّر صفوف هذا النضال، و يتعلَّق أي انتقاد ذي صلةٍ نوجهه الآن، بواقعة عدم الجهوزية الأيديولوجية والسياسية لحزبنا حينها من أجل تحقيق ربط هذه الكفاح العظيم مع قضية السلطة العمالية.

و بالنسبة للحزب الشيوعي اليوناني فإن الاشتراكية ضرورية و راهنية للعالم أجمع، ولكل بلد رأسمالي، ولكن في ظل الظروف التي يجري فيها النضال العمالي الشعبي في كل بلد، تبرزُ "حلقات" مهمة يمكن أن تمنح دفعاً للصراع الطبقي. حيث تتمثل مسألة حاسمة بالنسبة للحزب الشيوعي، و للحركة العمالية، في إعداد و حشد و تحريك القوى العمالية الشعبية و في اتخاذ هذه الحلقات ضمن اعتباره في إطار الصراع من أجل الاشتراكية. و في فلسطين حاضِرِنا، تتمثَّلُ "الحلقة" الأساسية في التخلص من الاحتلال الإسرائيلي الأجنبي وإقامة الدولة الفلسطينية.

و بالتالي، فإن ذلك هو قضية الطبقة العاملة في فلسطين و طليعتها - الحزب الشيوعي – هي قضية صياغة خط مماثلٍ سيربط هذه "الحلقة" بقضية الصراع من أجل التحرر الاجتماعي و السلطة العمالية، وبناء المجتمع الاشتراكي الجديد.

إن قضيتنا، أي قضية عمال و شباب البلدان الأخرى، هي دعم هذا الصراع والوقوف الآن إلى جانبه ضمن صدامه مع قوات الاحتلال. يحافظ الحزب الشيوعي اليوناني على علاقات مع الحزب الشيوعي الفلسطيني وحزب الشعب الفلسطيني، الذين انبثقا عن انقسام الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1991، وله اتصالات مع الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين. إن حزبنا يحترم صراع كل هذه القوى الذي يُخاضُ في ظروف صعبة للغاية، مُعرباً في كل فرصة ممكنة عن تضامنه بأساليب مختلفة.

عن الحق المزعوم "في الدفاع عن النفس"

 تجري اليوم رجعنةُ القانون الدولي بنحو أبعد، و تسخيرهُ من قبل القوى الإمبريالية وفق رغباتها و ضمن مزاحماتها على حساب الشعوب. حيث مَدينون نحن الشيوعيون بالكفاح ضد الآراء التي تحجب هذه الواقعة، وأحد هذه الحالات هو استحضار "حق الدفاع عن النفس" من قبل إسرائيل، والذي  قامت في اليونان حكومة الجمهورية الجديدة ﺑ"إعادة تدويره"، كما فعلت أيضا الأحزاب البرجوازية الأخرى (سيريزا، الباسوك، و غيرها)، التي دعمت أيضاً في البرلمان الأوروبي سلسلة من القرارات التي  تُشرعِنُ جرائم إسرائيل باسم "دفاعها عن نفسها".

و في الواقع و رسمياً فإن "القانون الدولي" الحالي ينصّ على ثلاث حالات لقيام عمليات عسكرية على أراضي دولة أخرى: 1) بقرار من مجلس الأمن الدولي، كما جرى في حالة ليبيا. 2) بناءاً على دعوة من الحكومة الشرعية لتلك الدولة، مثل، دعوة روسيا من قبل سوريا. 3) لأسباب تتعلق ﺒ"الدفاع عن النفس".

و تتذرع الولايات المتحدة بأسباب "الدفاع عن النفس" منذ اللحظة الأولى، لتوجيه ضربات جوية و تنفيذ عمليات برية في سوريا.

تجدر الإشارة إلى أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، و هي المتعلقة بحق بلد في الدفاع عن النفس ضد هجوم مسلح، لم يكن دائما على ما هو عليه الآن. ففي البداية كانت المادة تتحدث عن "غزو جيش أجنبي" لدولة عضو في الأمم المتحدة، معطية الحق لها حتى وقت اتخاذ قرار مجلس الأمن الدولي، في إمكانية الرد على الغزو المذكور، عبر الضرب خارج حدودها لأسباب الدفاع عن النفس أي ضد الدولة المُعتدية.

و مع ذلك، فبعد 11 أيلول\سبتمبر 2001، توجهت الولايات المتحدة نحو مجلس الأمن الدولي، ودعت إلى تبني "تفسير موسع" لهذه المادة، على نحو يُمكِّنها من غزو واحتلال أفغانستان في حربها الحرب ضد "طالبان". حيث وافق حينها مجلس الأمن للأمم المتحدة (و من ضمنه روسيا) على طلب الولايات المتحدة، و مذاك، لا يتعلق الدفاع عن النفس بالرد على (غزو عسكري) من دولة معينة، بل بعدوان مسلح عموماً، وهو الذي يجري و من الواضح، تفسيره وفقاً للرغبة.

ومع ذلك، فإن الإستفزاز غير المسبوق في حالة إسرائيل هو استدعائها هذا الحق في حين انتهاكها بنحو صارخ لكافة مفاهيم القانون الدولي و احتلالها أراض أجنبية و رفضها الامتثال لقرارات الأمم المتحدة، كمثال، تلك المتعلقة بعودة اللاجئين، وما شاكلها، مع إقدامها على بناء مستوطنات غير قانونية و مع كونها و تصرُّفِها كقوة احتلال وإبادة جماعية بحق شعب بأكمله. إن أولئك الذين يستشهدون بحق"الدفاع عن النفس" لإسرائيل التي هي قوة إحتلال، هم كمن يقوم بتبرير مجازر النازيين في ذيستوموس، وكالافريتا، وكومينو، وتبرير غيرها الكثير من الجرائم التي ارتكبها المحتلون الفاشيون في بلدنا و اعتبارها "دفاعاً عن النفس".

عن المطابقة غير المقبولة بين التضامن مع شعب فلسطين ومعاداة السامية

أُطلِق العنان في سلسلة من البلدان الرأسمالية، التي تدعم طبقاتها البرجوازية بنحو سافِرٍ العمل الإجرامي لإسرائيل، كالولايات المتحدة وألمانيا، للأجهزة القمعية ضد تظاهرات التضامن مع الفلسطينيين المعرضين للذبح، حتى مع إلغاء الإعلانات البرجوازية حول "حرية التعبير"، عندما يتعلق الأمر بالتضامن مع شعب فلسطين. ففي الولايات المتحدة، يتم اعتقال الطلاب والأساتذة وطردهم من الجامعات، بينما جرى في ألمانيا حظر المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني في عدد من المدن.

و تُغطَّى هذه العملية القمعية برمتها بعباءة المُطابقةِ غير المقبولة بين التضامن مع شعب فلسطين ومعاداة السامية. حيث يوصَّفُ التضامن بأنه "خطاب كراهية"/ متعصب، من أجل شرعنة المزيد و المزيد من التدابير وصولاً حتى الرقابة الوقائية. وفي اليونان، تبنى جزء من وسائل الإعلام وبعض الجهات الحكومية مُطابقة مماثلة. حيث نموذجية كانت تصريحات وزير التربية والتعليم كِرياكوس بييراكاكيس بعد اجتماعه مع أعضاء مجلس إدارة المجلس المركزي الإسرائيلي، والتي سعى من خلالها إلى المُطابقة بين تضامن حركة المعلمين النقابية مع شعب فلسطين و بين معاداة السامية.

و كان هناك تموضعٌ فوري للحزب الشيوعي اليوناني والمنظمات النقابية ضد هذه التصريحات المُضلِِّلة، والتي تستند إلى جهل بالدور الذي لعبه ليس الاتحاد السوفييتي فحسب، بل أيضاً و بدور الحركة النقابية المنظمة في ظهور دولة إسرائيل[35]، حيث كان   الاتحاد العالمي لنقابات العمال قد أدان حينها و لمرة أخرى - بعد سنوات قليلة -  أعمال إسرائيل العدوانية و احتلالها الممارس  ضد الشعوب العربية[36]، في حين يكافح اتحاد النقابات العالمي حتى يومنا هذا من أجل فلسطين حرة مستقلة على حدود ما قبل عام 1967.

أما و فيما يتعلق ببلدنا، فمعروف جداً هو الدور البارز لجبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الشعبي اليوناني، الذين قاما تنفيذاً منهما للتوجيه الذي أصدره الحزب الشيوعي اليوناني، بإنقاذ اليهود من الفظائع النازية و تجنيد العديد منهم في الكفاح التحريري المسلح[37]،  خلال فترة الاحتلال النازي عندما تعاون جزء من الطبقة البرجوازية مع النازيين ونفذ خطط محرقة اليهود.

و في الظروف الحالية، فإن مشاركة العديد من اليهود في التحركات في الولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى و أيضاً في إسرائيل نفسها، ضد السياسة المناهضة للشعب التي تنتهجها حكومة نتنياهو الرجعية، هو أفضل رد على هذا المُقاربة المنافية للتاريخ. و من الواضح لأي إنسان عاقل أن الانتقاد و حتى الانتقاد الحربي للدول والحكومات البرجوازية، على سبيل المثال، ضد الولايات المتحدة أو حكومة زيلينسكي الرجعية في أوكرانيا، لا يتطابقُ بأي حال من الأحوال مع الكراهية القومية ضد الشعب الأمريكي أو الأوكراني. هناك فصل واضح، و يسري هذا أيضاً في حالة فصل دولة إسرائيل المجرمة و فصل إدانة جرائمها عن اليهود عموماً، أو عن السكان اليهود في إسرائيل.

عن الرؤية المشوهة بشأن "المحورين"

مع التسليم بأن الحرب الجارية في فلسطين تتشابك موضوعياً مع المزاحمة القائمة بين القوى الإمبريالية (الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا والصين وإيران و غيرها، من جهة أخرى) تنشأ في المنطقة وعلى المستوى الدولي، رؤيتان مختلفتان ولكنهما متساويان في الخطأ وفقاً لما ذُكر:

1)     رؤية تزعم بأننا بصدد تشكُّل "محور مناهض للإمبريالية" (إيران وروسيا والصين)، والذي يتوجَّبُ علينا دعمه ضد الإمبرياليين الأمريكيين وحلفائهم.

2)     رؤية ثانية أقل انتشاراً في الوقت الحالي، ولكنها مخطئة بذات القدر و مفادها: أن بغير إمكاننا دعم صراع شعب فلسطين من أجل التحرُّر، لأنه جزء من الصدام الإمبريالي.

تنطلق كِلا المُقاربتان من تحقُّقٍ صائبٍ مفاده تشكُّلُ تكتلات قوى متعارضة، فمن ناحية لدينا التكتل الإمبريالي للقوى الأوروأطلسية، في حين جليٌ أيضاً هو تشكُّلُ التكتُّلِ الأوراسي (روسيا - الصين - إيران وغيرها) و هو الذي يقوم الرأي اﻷول بتقديمه بنحو مشوَّه زاعماً أنه "محور مناهض للإمبريالية".

و هو الذي يقوم بهذا النحو في الممارسة، بالتخلي عن المقاربة الطبقية، عبر مواجهة الإمبريالية باعتبارها سياسة عدوانية للولايات المتحدة وحلفائها، متجاهلاً واقعة سيطرة الاحتكارات في الصين وروسيا، و واقعة سعي الطبقات البرجوازية لهذه البلدان أيضاً، إلى ترويج تخطيطاتها الخاصة.

إن دعم روسيا والصين وإيران للفلسطينيين لا يجري لأن هذه القوى تصطفُّ مع "حقوق الشعوب" بل لأنها تريد عرقلة المخططات الأمريكية في المنطقة، وتصعيب الأمر عليها، والإضرار بها. و بالتالي، ما من "محور مناهض للإمبريالية" تُشكِّلهُ هذه القوى، فهي تعمل من أجل مصالحها الخاصة من أجل احتكاراتها، ولهذا السبب فبغير استطاعتها أن تكون متسقة في دعم نضال الفلسطينيين. وأمر آخر هو قيام الفلسطينيين و بنحو جيِّد – على غرار أي حركة تحرر وطني أو حتى حركة ثورية -  في سعيهم إلى استغلال هذه التناقضات في سياق نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي.

في حين قيام المقاربة الثانية بالتعاطي بنحو صحيح من الجوهر الطبقي للتكتلات الإمبريالية المتزاحمة، فهي ترتكب خطئاً كبيراً يتمثل في "رمي الطفل مع الماء"، و رفض الصراع العادل لشعب فلسطين باسم الحرب الإمبريالية. و مع ذلك، فقد ثبت أيضاً تاريخياً، أن من غير المُستبعَد وقوع حروب التحرير الوطني العادلة في ظروف المواجهة الإمبريالية الدولية أو حتى الحرب، و كان لينين قد تناول هذه القضايا بنحو شامل في ظروف الحرب العالمية الأولى في سياق ردٍّه على الأطروحات الخاطئة المقابِلة المُقدَّمَة من جانِب روزا لوكسمبورغ.

و في يومنا، حيث توجد بالفعل احتمالية تعميم الصدام في الشرق الأوسط، و حتى احتمالية ربطه بالحرب في أوكرانيا أو ﺑ"فتح" جبهات جديدة، لا ينبغي على اﻹطلاق أن يقود الطابع الإمبريالي للصراع و طابع القوى الرئيسية المتواجهة من أجل طموحاتها الجيوسياسية الخاصة، إلى التخلي عن دعم الشعب الفلسطيني، بل إن المفروض هو دعم هذا الكفاح العادل بنحو أكبر.

إن الحزب الشيوعي اليوناني، يقفُ - سواء في حالة الصدام الجاري في أوكرانيا أو في حالة فلسطين - على الجانب الصحيح من التاريخ لأنه يقف مع الشعوب ويناضل ضد الإمبرياليين و الاحتكارات و الرأسمالية الذين يسفكون دماء الشعوب.

عن مخاطر تعميم الصراع و اندماجه مع جبهة الحرب في أوكرانيا

سبق أن أشرنا في نقاط مختلفة من هذا المقال إلى العلاقة والتفاعل بين الصدامين الحربيين الدائرين في أوكرانيا وفلسطين. هو تفاعل مرتبط بفتح طرق جديدة للتجارة والطاقة أو بالتخلص من طرق أخرى، و بتوثيق العلاقات الاقتصادية والسياسية و العسكرية بين دول برجوازية أو ﺒ"تجميد" هذه العلاقات. حيث يطرأ سؤال مفاده ما إذا كان من الممكن توحيد هاتين المواجهتين الحربيتين، أمرٌ قد يزيد من تأجيجهما.

وإذا نظرنا إلى الخريطة:

 

 

 

فهناك 3 مناطق جغرافية، التي من شأن من اندلاع صداماتها التي تعتبر اليوم "محلية" و جانبية أو "مجمدة"، أن يوحد جغرافيا منطقتي الصدام.

1) تدور التطورات في البلقان حول المطامح غير المقبولة للطبقة البرجوازية التركية في بحر إيجه، والتي تثير مسائل حول الحقوق السيادية والسيادة، و تتمثل بؤرة اندلاع محتمل في محمية كوسوفو (التي بلغت ذروتها مع سردية "ألبانيا الكبرى")، و من الممكن أن تؤدي شرارة تتمظهر في المحمية الأخرى في البوسنة (إلى نهايتها المفاجئة)، و لا يزال الوضع السياسي المائع في مولدوفا (حيث تتورط رومانيا بنشاط، كما و روسيا أيضاً) ومنطقة ترانسنيستريا الانفصالية، وانبعاث نزعة الوحدوية في مقدونيا الشمالية (التي وُضعت "تحت السجادة" بموجب اتفاقية بريسبا، من أجل ضم هذه الدولة من إلى الناتو) و غيرها. حيث من الممكن في هذه المنطقة بالذات أن يطرأ  تطور شديد لمختلف اﻷفكار الوحدوية الكبرى التي قادت في المائة عام الماضية إلى وقوع مواجهات حربية، ولكن أيضاً إلى قيام نزعات وحدوية و صراعات من أجل تغيير الحدود، والتي من الممكن أن تتورط بها أعتى البلدان الرأسمالية.

2) في القوقاز، حيث تركت تطورات الحرب في أوكرانيا "بصمتها" سلفاً. فقد أدى الانخفاض في تدفقات شحن السكك الحديدية من آسيا إلى أوروبا عبر روسيا إلى إحياء حل ربط السكك الحديدية بين أذربيجان وتركيا، والمعروف أيضًا باسم (الممر الأوسط). الذي كان طريقه مغلقاً بسبب الوجود العسكري الأرمني عند ممر زنغزور و هو أمرٌ  تغير بعد غلبة أذربيجان، التي حظيت بدعم تركيا وإسرائيل في صدامها المسلح مع أرمينيا حول ناغورنو كاراباخ. إن هذا التطور الذي يؤثر على مصالح إيران، فضلاً عن نزوح عشرات الآلاف الأرمن من ناغورنو كاراباخ، يخلق المزيد من السيولة، كما هو الحال مع التطورات في جورجيا، التي فقدت 20٪ من أراضيها منذ أن أعلنت أبخازيا و أوسيتيا الجنوبية "استقلالهما" وبناء علاقاتهما مع روسيا. حيث تتعززز داخل جورجيا الصراع البرجوازي البيني من أجل التحالفات الدولية للبرجوازية.

3)و في آسيا الوسطى، على الرغم من انضمام دول المنطقة إلى اتحادات إقليمية تشكِّلُ روسيا "قاطرتها"، إلا أن هناك تناقضات  تزحف و تتمظهر بين الطبقات البرجوازية في المنطقة، وأكثرها نموذجية هو الصدام بين طاجيكستان وقيرغيزستان حول المياه، و كما و أيضاً بين كازاخستان وأوزبكستان، حيث يُسخَّرُ كلا الجانبان من القضايا العرقية واللغوية وخصوصيات سكان المنطقة، ولكنما يتواجد وراء ذلك هو المزاحمة الشرسة بينها على المواد الأولية، وطرق نقل البضائع، وهو صراع تتورطُ به أيضاً قوى إمبريالية أعتى.

الخاتمة

يتبينُ مما سبق وجود مُقدمات تعميم و تعاظم إراقة دماء الحرب في الشرق الأوسط، و على رأسها بربريةُ دولة الاحتلال الإسرائيلي الممارسةُ على حساب الشعب الفلسطيني.

و هناك اليوم داخل الاتحاد الأوروبي تأثير لنضالات الشعوب والشباب المهيبة التي تجري في العديد من بلدان العالم، ضد الدعاية المغرضة للطبقات البرجوازية لإسرائيل والولايات المتحدة، و في المقامِ الأول داخل البلدان. فهي تُمارس الضغوط على الحكومات البرجوازية، كما يتبين من قرار الاعتراف بفلسطين من جانب بعض البلدان، أو من خلال منع خطط قطع المساعدات الإنسانية عن وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين بعد التذرع بعلاقاتها مع حماس، أو حتى عبر التكيف المنافق للتكتيكات الأمريكية. إن ما ذكر أعلاه و بالإضافة إلى أمثلة أخرى، يُبرزُ قوة الحركة العمالية الشعبية، والشباب، والطلاب، التي تؤثر في التطورات الداخلية والدولية.

حيث من الضروري، إلى جانب التعبير المستمر عن التضامن مع نضال شعب فلسطين من أجل حقه، هو  المزيد من تعزيز النضال ضد تورط بلدنا في المخططات الإمبريالية، من أجل عودة جميع قطعات القوات المسلحة اليونانية الموجودة في الخارج من مختلف المهام الإمبريالية. و من أجل إغلاق القواعد الأمريكية والأطلسية التي تعتبر منطلقاً للحروب و تجعل من شعبنا هدفاً. من أجل فُكاك البلاد من الإتحادات الإمبريالية مع الشعب سيداً في بلادنا، في صدام مع الطبقة البرجوازية وتطلعاتها نحو ترقيتها الجيوستراتيجية، و صدامٍ مع حكومة حزب الجمهورية الجديدة و أحزاب: سيريزا و الباسوك و الحل اليوناني والأحزاب البرجوازية الأخرى، التي تدعمُ بنحو مشترك وتنفِّذُ الإستراتيجية الأوروأطلسية والخطط الإمبريالية.

 

عُمِّمَ المقال في العدد 3 لعام 2024 مجلة كومونيستيكي إبيثيوريسي النظرية السياسية الناطقة باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني و الذي نُشرَ في شهر تموز\يوليو 2024

 



[1]    عدد صحيفة "إفيميريذا تون سينداكتون" الصادر 5 - 6\6\2024

[2]          التقدير هو من الموقع الناطق بالعربية https://attaqa.net/ الذي نشر أواخر 2023 تقريراً مبنياً على معطيات موقع https://www.ogj.com/. كان قد نشر تحت عنوان « Global oil and natural gas reserves both increase»

             

[3]    مجموعة المواضيع الدولية و الأوروبية، «البحر اﻷحمر: “اللعبة الكبيرة" و المهمة اﻷوروبية "أسبيذِس"»، https://odeth.eu/

[4]    «البحر اﻷحمر: “صريرٌ" يصدر عن سلسلة التجارة الدولية»،  https://www.newsit.gr/                                                  

[5]    عباس: المنطقة الاقتصادية الخالصة و السوق اﻹقليمية هما مطلبا فلسطين من منتدى غاز شرق المتوسط، https://energypress.gr/

[6]    مقرُّها في أثينا.

[7]    وليد خدوري، حقل غزة مارين: ما مصيره بعد الحرب.؟. https://www.palestine-studies.org/ar

[8]    أحمد إسماعيل، "أسرع من المقرر.. بدء تطوير حقل «غزة مارين» الفلسطيني أكتوبر المقبل". أيلول\سبتمبر 2023، https://cnnbusinessarabic.com

[9]    https://www.gov.il/en/pages/spoke-gas180623.

[10]  اشتية: تطوير حقل "غزة مارين" أصبح متاحا. 19\6\2023. https://www.aa.com.tr/ar

[11]  نور أبو عيشة، إياد النابلسي: كيف ستتعاطى "حماس" مع تطوير حقل الغاز في غزة؟ https://www.aa.com.tr/ar

[12]  نور أبو عيشة، إياد النابلسي: كيف ستتعاطى "حماس" مع تطوير حقل الغاز في غزة؟ https://www.aa.com.tr/ar

[13]  IMEC، " ما الذي ينطوي عليه الممر التجاري الهندي – الأوروبي"، https://www.powergame.gr

[14]  غينادي سيماكوف، "قناة بن غوريون باعتبارها عامل نشاط عسكري في الشرق اﻷوسط"، https://fondsk.ru

[15]  20\9\2023، https://hellasjournal.com

[16]  ماكيس باباذوبولوس، " الداعمون الخُضر للحرب و للفقر الطاقوي"، العدد 3 لمجلة "كومونيستيكي إيبيثيوريسي" 2022.

[17]  غريغوريس ليونيس، "التطورات في الصناعة الحربية و مواقف الحزب الشيوعي اليوناني"  العدد 3 لمجلة "كومونيستيكي إيبيثيوريسي" 2023.

[18]  «"قَفَز" اﻹنفاق العسكري على مستوى العالم – تجاوز 2.4 تريليون دولار عام 2023»، 22\4\2023، https://www.902.gr.

[19]  غريغوريس ليونيس، "التطورات في الصناعة الحربية و مواقف الحزب الشيوعي اليوناني"  العدد 3 لمجلة "كومونيستيكي إيبيثيوريسي" 2023.

[21]  https://www.al-monitor.com/

[22]          «صناعات الطيران الإسرائيلية تشهد زيادة في دخلها الصافي بنسبة 49% عام 2023». https://www.jpost.com/

[23]  https://www.moneyreview.gr/

[24]  NYT، «دمرت روسيا 210 ألف مسكن في أوكرانيا – ما يعادل 4 أضعاف مساحة مانهاتن»، https://www.liberal.gr/

[25]  UNOSAT، «التقدير اﻹجمالي للضرر في قطاع غزة – أيار\مايو 2024». https://unosat.org/

[26]  معطيات إحصائية عن العدوان على قطاع غزة، https://m.sa24.co/

[27]  «سفير إسرائيل يُدلي لصحيفة "كاثيميريني": لا يُوكل أمن بلد ما إلى آخرين». 13\6\2023. https://www.kathimerini.gr/.

[28]  يورغوس مارينوس، «نعزِّزُ التضامن من الشعب الفلسطيني و نزيد من التيقُّظ تجاه التطورات». نشر في العدد 5\2023 لمجلة كومونيستيكي إبيثيوريسي.

[29]  13\5\2024. https://www.kathimerini.gr

[30]  باندِليس كابسيس، "صدام الحضارات؟"، ,https://www.athensvoice.gr و كونستاندينوس غينيس: “الهجوم اﻹرهابي لحماس و صدام الحضارات"، https://www.liberal.gr.

[32]  برافدا، 29\5\1948. كانت صحيفة البرافدا لسان حال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لعموم روسيا- البلاشفة (وفق تسمية الحزب الشيوعي للإتحاد السوفييتي قبل عام 1952).

[33]        للمزيد، أنظر إلى مقالات أناستاسيس غيكاس، "عودة إلى جذور القضية الفلسطينية وتطورها"، المنشورة في مجلة ريزوسباستيس في 6 أجزاء (من 4\11\2023 إلى 2\3\2024)

[34]  خورخِ مارتين، «الحزب الشيوعي اليوناني و النضال من أجل تحرير فلسطين: نقاش ضروري»، https://www.marxist.com

[35]  الموسوعة العبرية الرقمية، "علاقات اﻹتحاد السوفييتي بإسرائيل"، https://eleven.co.il/.

[36]  غ. شارابوف "الاتحاد العالمي للنقابات"، https://www.booksite.ru

[37]  إيوانَّا كوتسيافرا "عن مشاركة السكان اليهود في المقاومة و الصراع المناهض للفاشية و الكفاح المسلح لجبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الشعبي اليوناني"، https://www.katiousa.gr