روابط المواقع القديمة للحزب

إن الصفحات الأممية للحزب الشيوعي اليوناني تنتقل تدريجياً إلى صيغة موقع جديد. بإمكانكم الوصول إلى النسخات السابقة للصفحات المحدثة سلفاً  و محتواها عبر الروابط التاليةَ:

 

كلمة الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني في المؤتمر المنعقد عن بعد للمبادرة الشيوعية الأوروبية في الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفييتي

 الرفيقات والرفاق،

تؤكد التطورات الدولية والداخلية بعد 100 عام على تأسيس الاتحاد السوفييتي على ضرورة إثراء رؤيتنا البرنامجية للاشتراكية، في نفس الوقت مع دمج كل التجارب الإيجابية والسلبية المستخلصة من مسار البناء الاشتراكي ذاته خلال القرن العشرين،  و استخلاص استنتاجات مفيدة من انتصار الثورة المضادة في المقام الأول في الاتحاد السوفييتي.

إننا نعي تماماً أن إعادة إحياء الإيمان بالاشتراكية، يرتبط بالقدر ذاته بصياغة استراتيجية ثورية من أجل الانتقال إلى الاشتراكية  والتقييم الموضوعي لجملة مسار البناء الاشتراكي، و بتفسير أسباب غلبة الثورة المضادة و إعادة تنصيب الرأسمالية في نهاية المطاف.

و نرى أن هذا الالتزام ضروري و ناضج بالنسبة لحزبنا كما و بالنسبة لكل حزب شيوعي. فعلى مدى قرن مضى وحتى الآن، اتخذت محاربة البرجوازية للحركة الشيوعية في أغلب الأحيان شكلاً فكرياً نخبوياً، يركز نيرانه على النواة الثورية للحركة العمالية: مُحاربا عموماً ضرورة الثورة و مُنتجَها السياسي، ديكتاتورية البروليتاريا أي سلطة العمال الثورية. و يركز حَربَه خصيصاً على أول منتج لأول ثورة تكللت بالنصر، أي على ثورة أكتوبر في روسيا مكافحاً و بشراسة ضد كل مراحل الثورة المتصدية و الفاضحة لكافة أشكال النشاط المعادي للثورة، وللسواتر الإنتهازية المُضعفة ضِمنا و بشكل مباشر أو غيره للثورة على الصعيدين الاجتماعي و السياسي .

 

و على مدى قرن مضى و حتى الآن، تم الترويج "للإشتراكية الديموقراطية"، كبديل في مواجهة "الشيوعية الإنقلابية"، "الشمولية" و "الديكتاتورية"، كما رُوِّجَ لكل تيار رافضٍ، متخاذلِ، و متخلٍ عن ضرورة النضال الثوري. حيث تعرفنا على الحملة و التشهير الممارس ضد الشيوعية العلمية، و ضد الصراع الطبقي، والتي لا تمارس فقط في ظروف الرأسمالية، بل تتخذ أشكالاً أخرى في ظروف مختلفة، مرتبطة بعملية تشكُّلِ العلاقات الاجتماعية الجديدة كما وفي غضون امتدادها و  نضوجها لعلاقات شيوعية.

و لهذا السبب، يجري النقاش حول "ديموقراطية الإشتراكية" عبر اتباع معايير و مقاييس مختلفة، بغرض واضح هو الحُكمِ ضمن هذه الفترة أو تلك بنحو عدمي على إنجازات البناء الاشتراكي، فتارةً يتَّبعون أسلوب العدمية للحكم على مسيرة 70عاماً من تاريخ الاتحاد السوفييتي و تارةً أخرى يقتصر حكمهم العدمي على تلك الفترة التي تم فيها وضع الأساس الاشتراكي. و في كل الأحوال فهم يقومون ضمن النقاش بدعم تلك الخيارات السياسية التي شكلت انحرافاً عن المسار الاشتراكي.

إن الحزب الشيوعي اليوناني باقٍ و بثبات على الدفاع عن منجزات المسار الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي و عن منجزات بناء الاشتراكية بشكل عام في القرن اﻠ20، و  عن الصراع من أجل التقدم الاجتماعي، و إلغاء استغلال الإنسان للإنسان.  إن حزبنا اليوم هو مُحصَّنٌ فكرياً بنحو أكثر و زادَ من خبرته السياسية، من أجل مواجهة التدخلات الأيديولوجية الممارسة من قبل المراكز البرجوازية.

لقد درسنا ونواصل التفكُّر والدراسة بنحو أبعد للمسار القاسي للصراع الطبقي من أجل الانتقال إلى المجتمع الجديد و من أجل التأسيس له و تطويره، من أجل توسيع وتطوير علاقات الإنتاج- التوزيع، الجديدة و كافة العلاقات الاجتماعية و صياغة الإنسان الجديد.

و ذلك مع إبراز التضاربات و اﻷخطاء والانحرافات الواقعة تحت ضغط تناسب القوى العالمي، دون أن ننقاد نحو العدمية تجاه عَطاء الاتحاد السوفييتي و الاشتراكية. إننا نواجه الظواهر بمزاج نقدي و ناقد للذات، لكي يتمكَّن الحزب الشيوعي اليوناني من أن يتعزز باعتباره جزءاً من الحركة الشيوعية الأممية ضمن الصراع من أجل إسقاط الرأسمالية و من أجل البناء الاشتراكي. و في الوقت ذاته، فإننا نعتبر أن وجوه ضعفنا و قصورنا النظري و تقديراتنا الخاطئة، شكَّلت جزءاً من مشكلة الحركة الشيوعية اﻷممية.

إننا نعرف و نقبل بأن الدراسة التاريخية التي سيقوم بها حزبنا و الحركة الشيوعية على المستوى اﻷممي، ستضفي و بالتأكيد إلى إضاءة إضافية لمسائل تجربة الاتحاد السوفييتي و الدول الاشتراكية الأخرى. و في كل حال، فإن تطوير نظرية الاشتراكية - الشيوعية هي ضرورة وعملية حيَّة، و هي تشكِّل تحديا بالنسبة لحزبنا وللحركة الشيوعية الأممية آنياً و مستقبلياً.

 

عن فترتي "الثلاث عقود +" من وجود الاتحاد السوفييتي (1922-1956 و 1956-1991) و فترة "الثلاث عقود +" للبربرية الرأسمالية بعد تفكيكه (1991-2022)

الرفيقات والرفاق،

يكتمل هذا العام في 30 كانون اﻷول\ديسمبر 2022 انقضاء 100 عامٍ على تأسيس الاتحاد السوفييتي. ينبغي أن نُقارب هذه المائة عام التي مرت منذ تلك اللحظة التاريخية مع الإجابة على بعض الأسئلة المصيرية المحددة:

أولاً: أكان لتأسيس الاتحاد السوفييتي بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى تأثير إيجابي على شعوب وأعراق الاتحاد السوفييتي نفسه و لكن أيضاً على شعوب العالم بأسره؟

ثانياً: أكانت المسار صعودياً، إيجابياً بكل جوانبه، دون أخطاء و أوجه ضعف و إخفاقات و انتكاسات؟ و إذا لم يكن الأمر كذلك، فإلامَ تعود هذه السلبيات، وأين تتواجد، و ما مسبباتها: أكانت اﻷخيرة هي التي أثرت و قادت في نهاية المطاف إلى تفكيك الاتحاد السوفييتي و إسقاط النظام الاشتراكي؟

ثالثًا: هل أصبح العالم أفضل أم أسوأ بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي؟ هل استفادت شعوب العالم أم تضررت من هذه الانتكاسة التاريخية الكبيرة الأولى للبشرية، والتي تحولت من "اقتحام السماء" إلى انحدار مأساوي إلى "ظلمات الجحيم"؟

إن منطق الحديث عن فترات زمنية هو بعيد عن منطقنا بنحو عام.

و على الرغم من ذلك، اسمحوا لي ألا أتجنب الحديث عن هذه الفترات، لكي نقيِّم موضوعياً اﻠ100 عام التي انقضت منذ حينها (1922-2022).

و بالطبع، فقد سبقتها فترة كاملة جلب فيها تطور الرأسمالية والصراع الطبقي، الشيوعية بنحو حتمي إلى المشهد التاريخي. و هي تلك الممتدة من صدور "بيان الحزب الشيوعي" لماركس-إنجلز عام 1848 إلى أول ثورة بروليتارية لكومونة باريس عام 1871، وصولاً إلى نجاح ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917.

لقد شكَّلت ثورة 1917 نقطة انطلاق لإحدى أعظم إنجازات الحضارة في تاريخ البشرية، الذي هو إلغاء استغلال الإنسان للإنسان. هي ثورة حَقَّقت غَلَبتها بقيادة حزب لينين في روسيا، و في مواجهة مع الدول الإمبريالية العاتية المصطفة ضدها من خلال تحالف الاتفاق الودي، و مواجهة التدخل الرامي لخنق الثورة، و مع حرب أهلية شرسة ضد السلطة القديمة و ملاكي الثروة، وصولاً حتى غلبتها النهائية و تأسيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية في نهاية عام 1922.

 وهكذا بدأ المسار التاريخي الجديد لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية اعتباراً من 30 كانون الأول\ديسمبر 1922 و حتى 26 كانون الأول\ديسمبر 1991، عندما تم إنزال العلم الأحمر مع رمز المطرقة والمنجل من مبنى الكرملين، حيث غادر أمل البشرية حينها منارة الاتحاد السوفييتي التي أنارت الشعوب على مدى كل العقود الماضية و عاد الأمل مرة أخرى ليتواجد حصريا فقط في صراع الشعوب!


 

 

عطاء الاشتراكية في سنوات وجود الاتحاد السوفييتي

على الرغم من أي مشاكل وُجدت، أثبت النظام الاشتراكي إجمالاً خلال السنوات اﻠ69 من وجود الاتحاد السوفييتي تفوُّق الاشتراكية على الرأسمالية، والمزايا الهائلة التي منحتها لِعَمل و حياة العمال.

لقد شكَّل الاتحاد السوفييتي مع المنظومة الاشتراكية، الثقل الفعلي الوحيد المُعطِّل لعدوانية الإمبريالية. كما و كان  دور الاتحاد السوفييتي حاسماً في تحقيق نصر الشعوب في الحرب العالمية الثانية. هذا و دفعت انتصارات الجيش الأحمر بنحو هام تطور حركات التحرر الوطني و الحركات المعادية للفاشية التي تصدَّرتها الأحزاب الشيوعية. و  بإسهام هام من الاتحاد السوفييتي في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية جرى ربط الصراع ضد الفاشية مع النضال لإسقاط السلطة البرجوازية.

هذا و سطَّرت الدول الاشتراكية أمثلةً تاريخيةً في التضامن الأممي مع الشعوب المناضلة، ضد الاستغلال والاحتلال الأجنبي والتدخلات الإمبريالية. حيث ساهمت بشكل حاسم في الإطاحة بالنظام الاستعماري، وفي الحد من الصراعات والمواجهات الحربية.

و شكَّلت مكاسب الكادحين في البلدان الاشتراكية لعدَّة عقودٍ، نقطة مرجعية و أسهمت في انتزاع الحركة العمالية و الشعبية لمكاسبٍ معينة في المجتمعات الرأسمالية. حيث أثَّر تناسب القوى المتشكل بعد الحرب العالمية الثانية في إجبار الدول الرأسمالية بدرجة ما على القيام بتراجعات و مناورات بغرض التصدي لخط الصراع الثوري، من أجل تهيئة الظروف لاحتواء الحركة العمالية.

إن إلغاء علاقات الإنتاج الرأسمالي، حرر الإنسان من أصفاد العبودية المأجورة، و فتح الطريق لإنتاج وتطوير العلوم بهدف إرضاء الحاجات الشعبية. و هكذا كان للجميع عمل مضمون، و رعاية صحية وتعليم عامٌ مجاني وإسكانٌ ترافق مع توفير خدمات بقيمة منخفضة من قبل الدولة مع إمكانية الوصول إلى الإبداع الفكري والثقافي. هذا و شكَّل القضاء الجذري على "إرث" الأمية الرهيب في ترابط مع صعود المستوى العام للتعليم والاختصاص والقضاء على البطالة، مُنجزات اشتراكية حصرية.

و كانت ساعات العمل في الاتحاد السوفييتي قليلة مقارنة بباقي العالم. و استحق  جميع العاملين، أيام راحة أسبوعياً وإجازات سنوية مدفوعة الأجر. حيث تمت إطالة وقت  الراحة،  مع تغيير محتواه. و تحوَّل اﻷخير لوقت من أجل تطوير مستوى العاملين الثقافي والتعليمي، و نحو تعزيز مشاركتهم في السلطة العمالية و في رقابة و إدارة وحدات الإنتاج.

كان الضمان الاجتماعي للعمال متواجداً في قمة أولويات الدولة اشتراكية.  حيث تم إنشاء نظام المعاشات التقاعدية الشامل، المترافق مع إنجاز هام تمثَّل في فرض سن تقاعد منخفض (55 سنة للنساء و 60 للرجال).

هذا و قامت السلطة الاشتراكية بوضع الأساس للقضاء على عدم إنصاف النساء، عبر التغلب على الصعوبات الهائلة الموجودة موضوعياً. حيث  تكفلت السلطة عملياً بضمان الطابع الإجتماعي للأمومة و الرعاية الاجتماعية للطفل.

إن ديكتاتورية البروليتاريا أي سلطة العمال الثورية، و بصفتها كدولة، تُعبِّر عن مصالح الأغلبية الاجتماعية للمُستغَلين بدلا من أقلية المُستغِلين الاجتماعية، أثبتت تفوقها و سموَّها كشكل من أشكال الديموقراطية. فلأول مرة في التاريخ أُعطيت الفرصة لوحدة الإنتاج  لتغدو نواة للديمقراطية، عِبر مشاركة الكادحين في السلطة و الإدارة، و مُنِح العاملون إمكانية انتخاب ممثليهم في أعلى هيئات السلطة مع إمكانية سحبهم. لقد أخرجت السلطة العمالية الجماهير من الهامش، و تم إنشاء و تطوير عدد كبير من المنظمات الجماهيرية والنقابية، الثقافية، التعليمية، النسائية إضافةً للشبيبية منها، التي ضمت في صفوفها غالبية السكان.

إن الدعاية البرجوازية والانتهازية أثناء حديثها عن "الأنظمة اللاديمقراطية والغير حرة" تسلط الضوء على مفاهيم "الديمقراطية" و "الحرية" من منطلق محتواها البرجوازي: أي عبر مطابقة مفهوم" الديمقراطية"  بالبرلمانية البرجوازية، و مساواة "الحرية" بالفردانية البرجوازية والملكية الرأسمالية الفردية، إن المحتوى الفعلي للحرية والديمقراطية في ظروف الرأسمالية، هو الإكراه الاقتصادي لعبودية العمل المأجور و ديكتاتورية رأس المال في المجتمع بنحو عام من جهة و في الشركات و المؤسسات الرأسمالية بنحو خاص.

لقد دشنت ثورة أكتوبر عملية إنصاف اﻷمم و الأعراق في إطار دولة ضخمة متعددة القوميات، و قدمت توجهاً نحو حل المشكلة القومية، عبر القضاء على الاضطهاد القومي في كافة أشكاله و تمظهراته. لقد قُوِّضت هذه العملية من خلال تراجع العلاقات الإشتراكية و في نهاية المطاف جرى إنهائها أثناء أحداث الثورة المضادة في ثمانينيات القرن الماضي.

إن المكاسب المحققة بلا شك بالمقارنة مع نقطة انطلاق البناء الإشتراكي كما و مع مستوى معيشة العمال في العالم الرأسمالي  تُثبت امتلاك الاشتراكية، لإمكانات كامنة تمكِّنها من تحقيق نمو متواثب مستمر، و من تحقيق الرخاء الاجتماعي و تطوير متكامل الجوانب للإنسان.

و ينبغي أن يكون الحُكم على إنجازات و تفوق البناء الاشتراكي في الإتحاد السوفييتي في ترابط مع استراتيجية الحصار الامبريالي التي سببت دماراً كبيراً و فرضت عقبات و تهديدات مستمرة.

تقييم مسار البناء الاشتراكي في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية منذ تأسيسه (1922) حتى وقوع التحوُّر الانتهازي و الأخطاء وصولاً للهجمة الأخيرة لقوى الثورة المضادة التي أنتجت تفكيكه (1991)

تمثَّل الهدف الأولي اﻷساسي للفترة اﻷولى للبناء اﻹشتراكي الممتدة حتى الحرب العالمية الثانية، في القضاء على الملكية الرأسمالية، و في المواجهة المخططة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الموروثة من الرأسمالية، و التي تفاقمت نتيجة الحصار و التدخل الإمبريالي. هذا و كانت السلطة السوفييتية قد تمكنت أثناء الفترة المذكورة من تحقيق خفض لافت للتفاوت العميق الذي ورثته الثورة من الامبراطورية القيصرية.

و بنحو عام حققت السلطة السوفيتية خلال فترة 1917-1940 نجاحات. حيث حققت عملية كَهرَبِة و تصنيع اﻹنتاج، و توسيع مدى النقل، ومكننة جزء كبير من الإنتاج الزراعي. و بدأت بتنفيذ إنتاج  مخطط، وحققت معدلات مثيرة للإعجاب في مجال نمو الإنتاج الصناعي الاشتراكي. و نجحت في تطوير القدرات الإنتاجية المحلية في جميع القطاعات الصناعية. و تم إنشاء التعاونيات الإنتاجية (الكولخوزات)، ومزارع الدولة (السوفوخوزات)، و بهذا النحو وُضعت أسس توسيع و سيطرة العلاقات الاشتراكية في الإنتاج الزراعي. كما وحُققت "الثورة الثقافية". حيث  بدأت عملية تنشئة و تشكيل جيل جديد من الأخصائيين والعلماء الشيوعيين. و كان الأهم هو تحقيق إلغاء كافة علاقات الإنتاج الرأسمالي، مع إلغاء إستئجار قوة العمل، و بالتالي جرى وضع الأساس للتشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية الجديدة.

هذا و استمرت صياغة أسس تطوير المجتمع الجديد حتى الحرب العالمية الثانية: حيث جرى بنجاح خوض الصراع الطبقي مما أدى إلى إلغاء العلاقات الرأسمالية و إلى سيطرة قطاع الإنتاج الممتلك اجتماعيا على أساس التخطيط المركزي، حيث حُققت نتائج رائعة من ناحية نمو الرخاء الاجتماعي.

و دخل البناء الاشتراكي مرحلة جديدة بعد الحرب العالمية الثانية و إعادة الإعمار التي تبعتها. حيث واجه الحزب مطالب وتحديات جديدة. و  يتميز المؤتمر اﻠ20 للحزب الشيوعي السوفييتي عام(1956) بوصفه نقطة انعطاف، تم خلالها  تبنِّي سلسلة من المواقف الانتهازية المتعلقة بمسائل الاقتصاد، وباستراتيجية الحركة الشيوعية الأممية و العلاقات الدولية. حيث تحوَّل تناسب القوى في الصراع المتمظهر على مدى الفترة السالفة، عبر الإنعطاف لصالح المواقف التحريفية - الانتهازية، مما أنتج فقدان الحزب التدريجي لسماته الثورية.

كان الصراع الفكري و السياسي داخل الحزب بداية الخمسينات، تعبيراً عن المقاومة الاجتماعية لكل من (الفلاحين التعاونيين، كوادر إدارة الإقتصادين الزراعي و الصناعي) في وجه ضرورة توسيع وتعميق علاقات الإنتاج الاشتراكية.  هذا و قاد الصراع  المحتدم إلى القبول النظري لقانون القيمة باعتباره قانوناً للاشتراكية، مما أعلن بداية خيارات سياسية ذات تبعات مباشرة أعتى على مسار التطور الاشتراكي بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب، التي خفف التخلف المادي وقتها من تأثير و ضرر هذه الأطروحات النظرية.

و كانت قرارات المؤتمر اﻟ20 للحزب الشيوعي السوفييتي تعبيراً عن المواقف السياسية للقوى المذكورة، و شكَّل المؤتمر المذكور، مؤتمر سيطرة الإنحراف الانتهازي اليميني. حيث اعتُمدت تدريجيا خيارات سياسية وسَّعت نطاق العلاقات البضاعية-المالية (المُحتمل تطورها لعلاقات رأسمالية)، تحت حجة تصحيح أوجه القصور في التخطيط المركزي و في إدارة وحدات الانتاج الإشتراكية.

كما واستُخدمت لحل المشاكل التي ظهرت في الاقتصاد، حلول و أساليب، وأدوات تنتمي إلى الماضي. فمن خلال الترويج لسياسة "سوقية"، وعوضاً عن تعزيز و دعم الملكية الاجتماعية والتخطيط المركزي، و توحيد تجانس الطبقة العاملة (من خلال توسيع القدرات والإمكانات من ناحية تعدد الإختصاصات، و التبادل  في التوزيع التقني للعمل)، والمشاركة العمالية في تنظيم العمل، والرقابة العمالية من الأدنى إلى أعلى، كان هناك تراجع و نمو لوتيرة معاكسة على مستوى الأصعدة المذكورة. و في ضوء هذه الخلفية تراجع تدريجيا مستوى الوعي الاجتماعي. كما ضاعت التجربة السابقة وكفاءة سوفييتات المصانع، و خبرة الحركة الستاخانوفية في مراقبة النوعية وفي التنظيم والإدارة اﻷكثر نجاعة، وفي براءات الاختراع لترشيد المواد ووقت العمل إلخ.…

هذا و أتى الانزلاق النظري و سياسة التقهقر المقابلة له في الإتحاد السوفييتي، ضمن مرحلة جديدة  اتسمت بوصول تطور القوى المنتجة إلى مستوى أعلى، كان يتطلب حينها تطوير التخطيط المركزي. أي ما يعني أن تعميق العلاقات الاشتراكية كان ضرورة ناضجة حينها.

و في الثمانينات، و عبر البيريسترويكا تكاملت مواصفات الانتهازية الخائنة لتشكل قوة الثورة المضادة.

و شكلت قرارات المؤتمر اﻟ27  عام (1986) خيارات انتهازية جديدة. تلاها تنامي الثورة المضادة، عبر إقرار القانون (1987) الذي ينص على تحصين مأسسة العلاقات الرأسمالية بقبوله و إقراره بتنوع أشكال علاقات الملكية. و لم تتمكن القوى الشيوعية الصادقة التي عبَّرت عن رد فعلها في المرحلة النهائية للخيانة  في المؤتمر اﻠ 28 للحزب الشيوعي السوفييتي، من كشف الخيانة بنحو ناجز و لم تتمكن من تنظيم رد فعل ثوري ناجح للطبقة العاملة.

إننا نرى أن خط "التعايش السلمي"،  كما تطوَّر في السنوات التي تلت الحرب مباشرة، و الذي كان قد تطور بدرجة ما ضمن المؤتمر اﻟ19 (تشرين اﻷول\ أكتوبر عام 1951) و بشكل أساسي في المؤتمر اﻠ20 للحزب الشيوعي السوفييتي (1956) و الذي اعترف ببربرية الرأسمالية و بعدوانية الولايات المتحدة وبريطانيا، كعنصر متأصل في بعض قطاعات الطبقة البرجوازية و قواها السياسية في الدول الرأسمالية الغربية، و لكن دون اعتباره عنصر متأصلاً في الرأسمالية الاحتكارية، الإمبريالية. و بهذا النحو سمح  هذا الخط بتنمية رؤى أوتوبية قائلة بإمكانية قبول الإمبريالية للتعايش وعلى المدى الطويل، مع قوى قامت بكسر هيمنتها العالمية.

و جرت الاستهانة باستراتيجية الرأسمالية الموحدة التوجه، ضد البلدان الاشتراكية والحركة العمالية في البلدان الرأسمالية. و لم  يجري تحليل صحيح للتناقضات القائمة بين الدول الرأسمالية، التي تحتوي و بالتأكيد على عنصر التبعية كما يحدث في هرم الامبريالية.

كان موقف العديد من الأحزاب الشيوعية مندرجاً ضمن الإستراتيجية المذكورة. حيث سيطر على الأحزاب الشيوعية تقييم قائل بتقسيم الإشتراكية الديمقراطية، لجناحي "اليمين" و "اليسار"، مؤدياً بالتالي إلى إضعاف الجبهة الأيديولوجية الموجهة ضدها بشكل كبير. و  تحت عنوانِ وحدةِ الطبقة العاملة، قامت الأحزاب الشيوعية بتنازلات أيديولوجية وسياسية خطيرة، في حين أن شعارات الوحدة من جانب الإشتراكية الديمقراطية، لم تتطرق أصلا إلى إسقاط النظام الرأسمالي، بل إلى انتزاع الطبقة العاملة من نفوذ الأفكار الشيوعية و إلى تحقيق اغترابها الطبقي.

و بذريعة الخصوصيات الوطنية لكل بلد في أوروبا الغربية، سيطر تيار "الشيوعية الأوروبية" الانتهازي  في صفوف العديد من الأحزاب الشيوعية، و هو الذي كان ينفي حتمية الثورة الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا والصراع الثوري بنحو عام.

و تعزز تأثير الانتهازية المعاصرة المتبادل، وقتها بين الأحزاب الشيوعية الحاكمة و الأحزاب الشيوعية في البلدان الرأسمالية،  في ظروف التخوف من توجيه ضربة نووية ضد الدول الاشتراكية و احتدام الصراع الطبقي داخل الدول الاشتراكية (في بلدان وسط و شرق أوروبا) والحروب الامبريالية الجديدة ( ضد كوريا، وفيتنام). حيث أثرت تكتيكات الإمبريالية المرنة في تطوير الانتهازية ضمن الأحزاب الشيوعية للدول الاشتراكية، و في تقويض البناء الاشتراكي، كما و في تقويض الصراع الثوري في أوروبا الرأسمالية والعالم. و بهذا النحو، عُزز ضغط الإمبريالية على البلدان الاشتراكية،  بنحو مباشر أو غير مباشر.

الرفيقات و الرفاق،

إن حكمنا اليوم عموماً على الاتجاه الذي سيطر وقتها، لا يجري فقط من الناحية النظرية، بل و أيضا من ناحية النتيجة. فبعد مسار تطبيق الاصلاحات في الاتحاد السوفييتي، تفاقمت حدة المشاكل بنحو ملحوظ. و شهِد مسار البناء الاشتراكي ركوداً للمرة الأولى. و بقي واقع التخلف التكنولوجي سمة الغالبية العظمى من المؤسسات. و ظهر نقص في كثير من المنتجات الاستهلاكية وغيرها من مشاكل "السوق" لأن المؤسسات كانت تعمل على إيجاد زيادات مصطنعة  للأسعار، عبر ترك المنتجات في المستودعات أو إمداد المُتاح بكميات محدودة.

و خلال السبعينات شكَّل تراجع مساهمة الإتحاد السوفييتي في الإنتاج العالمي للمواد الصناعية و التحويلية مؤشراً مهماً على تراجع الإقتصاد السوفييتي.

إن التدخل المتعاظم لعناصر السوق في عملية الإنتاج الاجتماعي المباشر للاشتراكية، أدى بدوره لإضعاف اﻷخير : و أدى إلى  هبوط زخم النمو الاشتراكي. و تم تعزيز المصلحة الفردية و الجماعية القصيرة الأمد (عبر زيادة تمايز دخل العاملين في كل مؤسسة و من مؤسسة لأخرى، و تمايز بين دخل العاملين و دخل الجهاز الإداري) و ذلك على حساب المصالح الاجتماعية. و ضمن هذا المسار خُلقت الأرضية الاجتماعية لاشتداد بأس الثورة المضادة وغلبتها في نهاية المطاف، عبر مطية البيريسترويكا.

و كانت الإصلاحات قد أوجدت الإمكانية للأموال المتراكمة أساساً عن طريق وسائل غير مشروعة (تهريب و ما شاكله)، من أجل استثمارها في "السوق السوداء" (المخالفة للقانون). و كانت الإمكانية المذكورة تعود لكادر إدارة المؤسسات و القطاعات، و كوادر الكولخوزات والتجارة الخارجية. هذا و كان مدعي الحق العام في الإتحاد السوفييتي قد أصدر بيانات متعلقة بما يسمى ﺑ"اقتصاد الظل". و وفقا للبيانات المذكورة كانت الظاهرة ناتجة بنحو أساسي، عن جزء من الإنتاج الزراعي لمزارع الدولة و التعاونيات، كان يجد طريقه نحو المستهلكين بأساليب غير قانونية.

و تعزز تباين الدخل بين المزارعين المنتجين الفرديين و التعاونيين، و ازدادت معارضتهم للتوجه نحو توسيع الطابع الاجتماعي المباشر للإنتاج الزراعي. في حين أن قسماً من المزارعين و من الكوادر الإدارية التعاونية كان قد حقَّق ثروة و عزَّز من حضوره، كشريحة معيقة  لبناء الاشتراكية. كما و كانت التفاوتات الاجتماعية أكثر حدة في الصناعة عبر تمركز "الربح المؤسساتي". و لم يكن ما يُعرف ﺒ "رأسمال الظل" ناتجاً عن الإثراء من الربح المؤسساتي المذكور فحسب، بل وعن السوق "السوداء" وعن أفعال استلاب الناتج الاجتماعي الإجرامية، حيث سعى "رأسمال الظل" نحو تأمين ظروف قانونية لعمله و نشاطه "بصفته رأس مال" في عملية الإنتاج، أي أنه سعى نحو خصخصة وسائل الانتاج و نحو إعادة "تنصيب" الرأسمالية. هذا و شكَّل مالكو رأس مال "الظل" القوة الإجتماعية الدافعة للثورة المضادة. حيث استغلوا مراكزهم في الهيئات الحزبية و جهاز الدولة. كما تلقوا دعماً من قطاعات السكان، التي كانت  بحكم موقعها موضوعياً أكثر عرضة لتأثير الأيديولوجيا البورجوازية و للتذبذب. و كان لهذه القوى تأثيرها في الحزب بنحو مباشر أو غير مباشر، عبر تعزيزها للتآكل الانتهازي و الانحدار المعادي للثورة الذي تجلى في سياسة "البريسترويكا"و في المطالبة بترسيخ مأسسة العلاقات الرأسمالية. أمر تحقق بعد البريسترويكا، عبر الإنقلاب على الإشتراكية.

الرفيقات و الرفاق،

إن البناء الاشتراكي هو عملية موحَّدة، تبدأ باستيلاء الطبقة العاملة على السلطة. حيث يُصاغ أولياً أسلوب الإنتاج الجديد، الذي يسود أساساً بعد إلغاء كامل العلاقات الرأسمالية، وعلاقة رأس المال - العمل المأجور. و من ثم تتمدد  وتتعمق العلاقات الجديدة،  و تتطور العلاقات الشيوعية و الإنسان الجديد نحو مستوى أعلى يرسِّخ سيطرة لا رجعة فيها، تشترط  بدورها تحقيق إلغاء العلاقات الرأسمالية على الصعيد العالمي أو على الأقل في البلدان المتقدمة، والمؤثرة في النظام الإمبريالي.

إن المسار الاشتراكي يحتوي على إمكانية انتكاسه وتقهقره نحو الرأسمالية. و ليست عملية الانتكاس بظاهرة جديدة في مجال التطور الاجتماعي، و هي تشكِّل في أي حال ظاهرة مؤقتة في تاريخه. ومن الوقائع التي لا تقبل الجدل تاريخياً، هو أمر عدم وجود نظام اجتماعي – اقتصادي في التاريخ، تمكن من توطيد نفسه عبر محاولة واحدة. فالانتقال من طور أدنى للتطور إلى طور أعلى، ليس بعملية بسيطة تصاعدية باستقامة. هذا ما يُظهره تاريخ غلبة الرأسمالية.

 تبدأ صياغة نمط الإنتاج الشيوعي بتحويل وسائل الإنتاج المتمركزة لملكية اجتماعية، و بالتخطيط المركزي، مع توزيع القوى العاملة في مختلف فروع الاقتصاد، و بالتوزيع المخطط للمنتوج الاجتماعي، مع تشكيل مؤسسات الرقابة العمالية. و فوق أرضية هذه العلاقات الاقتصادية الجديدة تتطور بوتائر سريعة قوى الإنتاج، أي الإنسان و وسائل الإنتاج، مع تنظيم الإنتاج و المجتمع بأسره. و يتحقق التراكم الاشتراكي و مستوى جديد للازدهار الاجتماعي.

إن التحول الإجتماعي في الاشتراكية كما و في مجمل تنظيم الاقتصاد والمجتمع، يجري من خلال دولة الطبقة العاملة، و بإرشاد من الحزب الشيوعي الذي يستند على حشد و تحريك الجماهير العمالية و على الرقابة العمالية.

إن أي تأخير والأهم من ذلك أي تراجع، في تطوير العلاقات الاشتراكية يؤدي إلى إحتدام التضارب بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج. وعلى هذا الأساس فإن بإمكان التناقضات و التباينات الاجتماعية أن تتطور إلى مزاحمات اجتماعية و إلى احتدام الصراع الطبقي. هناك أساس موضوعي في الاشتراكية يحتوي -في ظروف معينة- على إمكانية تحوُّلِ قوى اجتماعية إلى حوامل محتملة لعلاقات استغلالية، كما حدث في الاتحاد السوفييتي في نهاية المطاف.

و اعتباراً من فترة معينة خَسِر الحزب تدريجياً طابعه الثوري الإرشادي، و بهذا النحو أصبحت من الممكن سيطرة قوى الثورة المضادة داخل الحزب و السلطة.

إننا نوصِّف تطورات فترة 1989-1991 باعتبارها انتصارا للثورة المضادة. و هي التي شكلت آخر فصول العملية التي قادت إلى تعزيز الفوارق الاجتماعية، و إلى تعزيز قوى الثورة المضادة و الرَجعَنة الاجتماعية. حيث لم يكن من قبيل الصدفة دعم الرجعية الدولية للتطورات المذكورة، و تركيز الإمبريالية الدولية ﻠ"نيرانها" الفكرية و السياسية على وجه الخصوص ضد فترة إلغاء العلاقات الرأسمالية و التأسيس للاشتراكية، و هي الفترة الممتدة حتى الحرب العالمية الثانية.

إن انتصار إنقلاب الثورة المضادة في الفترة 1989-1991 لا يثبت غياب مستوى أساسي لتطور المقدمات المادية من أجل مباشرة البناء الاشتراكي في روسيا.

ومع ذلك، فقد واجهت الاشتراكية صعوبات إضافية خاصة، و يرجع ذلك إلى حقيقة أن بناء الاشتراكية بدأ في بلد يتسم بانخفاض مستوى تطور قوى الإنتاج (متوسط- ضعيف، وفقاً لتوصيف لينين له) بالمقارنة مع البلدان الرأسمالية المتطورة، و بدرجة كبيرة من التفاوت في تطورها، نظرا لبقاء العلاقات "ما قبل الرأسمالية" على نطاق واسع، لا سيما في مستعمرات الإمبراطورية القيصرية السابقة في آسيا. هذا و واجهت الاشتراكية في مسارها أيضاً، عواقب الدمار الهائل للحرب العالمية الثانية، و ذلك على  النقيض من قوى رأسمالية - كالولايات المتحدة الأمريكية- التي لم تشهد حرباً على أراضيها، بل و في المقابل تمكنت عبر الحرب من تجاوز الأزمة الاقتصادية الكبرى في ثلاثينيات القرن الماضي.

إن التنمية الاقتصادية والاجتماعية الضخمة المحققة في ظل الظروف المذكورة، تُبرهن على تفوق علاقات الإنتاج الشيوعية، حتى في طور نموها الأولي.

لم تأتِ الثورة المضادة في الاتحاد السوفييتي نتيجة تدخل عسكري إمبريالي، بل أتت من الداخل ومن الأعلى، كنتيجة لتحوُّرٍ انتهازي للحزب الشيوعي وللتوجه السياسي المقابل لذلك في السلطة السوفييتية.

إن الأولوية هي للعوامل الداخلية، أي للظروف الاجتماعية-الاقتصادية، التي تعيد بدورها إنتاج الانتهازية فوق أرضية البناء الاشتراكي. إننا و بالتأكيد لا نستهين بتأثير تدخل الإمبريالية المتعدد الأوجه و المديد الأعوام، في تنمية الانتهازية وتطويرها لقوة مناهضة للثورة.

و بالتالي، يشكل اتسام الحزب الشيوعي بالعلمية و الطبقية، مقدمة حاسمة  لبناء الاشتراكية. و بذات قدر افتقاد الحزب الشيوعي، للسمات المذكورة يشتد بأس الإنتهازية، التي تتطور في حال عدم مواجهتها لتصبح قوة ثورةٍ مضادة.

لقد تحمل حزبنا مسؤوليته الخاصة تجاه التقييمات الخاطئة و قصوره النظري في الفهم المتعمق و الناجز لكل هذه التطورات.

إن المواجهة النقدية لموقف الحزب الشيوعي اليوناني تجاه بناء الاشتراكية، لا تقلل بأي حال من الأحوال من شأن وقوف حزبنا الواعي لطابعه الأممي، مدافعاً عن عملية بناء الاشتراكية - الشيوعية في القرن اﻟ 20، و ذلك حتى عبر تضحيته بحياة الآلاف من أعضائه و كوادره. إن الدفاع الكفاحي عن عطاء الإشتراكية في القرن اﻠ20 كان و لا يزال خياراً واعياً لحزبنا.

إن الحزب الشيوعي اليوناني لم ينتقل إلى جانب تلك القوى، المتحدرة من الحركة الشيوعية، التي انقادت نحو العدمية تحت اسم انتقاداتها للإتحاد السوفييتي ولغيره من البلدان، و إلى إنكار طابعها الاشتراكي و تَبنِّي دعاية الإمبريالية. كما و لم يقم الحزب بإعادة النظر في موقفه الدفاعي على الرغم من جوانب ضعف هذا الموقف.

إن المأساة التي تعيشها شعوب الاتحاد السوفييتي السابق وشعوب العالم كله لم يسبق لها مثيل، بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي و إسقاط النظام الاشتراكي (1991-2022)

  1. كالاستغلال الصارم للإنسان من قبل الإنسان. و رمي مكاسب عقود من الزمن كانت قد حققتها الطبقة العاملة والشعوب في "سلة المهملات". ظروف عمل قروسطية. تفكيك نظام الضمان الاجتماعي. تقييد الحريات والحقوق النقابية. ارتفاع معدلات البطالة. أزمات اقتصادية وسلسلة من القوانين المناهضة للعمال والشعب. مشكلة السكن الحادة. مصادرة المسكن الأول و بيعه في المزادات. مخاطر فقر الطاقة وارتفاع الأسعار والتضخم الذي يلتهم الدخل الشعبي . ضرائب عالية.

2. الإعتداء على النساء، وتوسيع هوة عدم الإنصاف بين الرجال و النساء. تفاقم آفة المخدرات. تضخم ظواهر الاعتداء على اﻷطفال (كمثال كيفوتوس تو ترومو). تفاقم العنصرية والقومية والفاشية - النازية. و القمع و العنف الممارس من قبل الدولة. عمليات التنصت و المراقبة من قبل استخبارات محلية و أجنبية، فساد و فضائح.

3. تفاقم المزاحمات الإمبريالية. و التناقضات والصراعات والحرب الإمبريالية، و آخرها تلك الجارية في أوكرانيا. تفاقم ظاهرة اللجوء و الهجرة وخطر التهديد النووي.

4. تدمير البيئة. اشتداد الكوارث الناجمة عن الظواهر المناخية، دون حماية الأسر الشعبية (من خطر الفيضانات، الزلازل و الحرائق). فقر الطاقة ونقص الكهرباء والطاقة. و مخاطر أزمة الغذاء. و اندلاع الحرب من أجل الماء.

و الكثير غيرها، من المشاكل التي لا تحصى.  هذه هي الرأسمالية، همجية جامحة ضد الشعوب والشباب.

لقد دُحض و بمرارة جميع أولئك الذين توقعوا أو احتسبوا في مختلف بلدان العالم وفي جميع القارات، حدوث تحسن في الوضع الدولي، و قدوم فترة جديدة من رفاه الشعوب.

كان لدى الرأسماليين خطة. حيث عملت الأركان البرجوازية بنحو منهجي على استعادة البربرية من خلال إسقاط الاشتراكية و تفكيك الاتحاد السوفييتي. لقد غررت آلتهم الدعائية بأناس أبرياء آمنوا بشيء أجمل.

غُرِّر بكثيرين و كثيرات. لقد حان وقت هؤلاء ليروا الآن، كيف و من حفر الحفرة للكادحين و للتقدميين و الشيوعيين من أجل إيصال الإنسانية مرة أخرى إلى لحظات ما قبل التاريخ. و لربما حريٌ بهؤلاء جميعاً بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفييتي الذي نتذكره ونكرمه هذا العام، أن يستخلصوا الآن استنتاجات جوهرية و أن يضعوا أيديهم على قلوبهم و أن ينضموا بذهن أصفى إلى جيش الثورة العالمية العظيم.

الرفيقات و الرفاق،

إننا مقتنعون أن انقلابات الثورة المضادة لا تغير من طابع عصرنا. إن القرن اﻠ21  سيكون قرن صعود جديد للحركة الثورية العالمية و قرن سلسلة جديدة من الثورات الاجتماعية. إن النضالات التي تقتصر على الحفاظ على بعض المكاسب -على الرغم من ضرورتها- ليست قادرة على تقديم حلول جوهرية دائمة. إن المنفذ الدائم و المنظور الحتمي، هو الاشتراكية، و ذلك على الرغم من هزيمتها في نهاية القرن اﻠ20.

إن ضرورة الاشتراكية تنبثق من تفاقم تناقضات العالم الرأسمالي المعاصر، و النظام الإمبريالي. و تنبع من واقعة النضوج الكامل - خلال المرحلة الإمبريالية  لتطور الرأسمالية المتصفة بهيمنة الاحتكارات-  للمقدمات المادية التي تُلزم الانتقال نحو نظام اجتماعي - اقتصادي أرفع.

نواصل كحزب عملية الدراسة والبحث، لترميز الاستنتاجات بنحو أفضل، و أيضاً فيما يخص مسائل لم نلمسها بعد بنحو متكامل. و في الوقت نفسه، نبذل محاولة متضافرة لجعل هذه الاستنتاجات و تقييماتنا ملكاً لجميع القوى الحزبية و الشبيبية، وخاصة للأعمار الأصغر.

و من تحقيق هذا الواجب، يُحكم على قدرة الحزب على ربط استراتيجيته بنحو متكامل مع الصراع اليومي، و على قدرته أن يعالج أهدافاً لمشاكل العمال المباشرة، في ترابط مع استراتيجية امتلاك سلطة العمال الثورية و بناء الاشتراكية.

 

05.12.2022