روابط المواقع القديمة للحزب
نَص كلمة الحزب الشيوعي اليوناني في الندوة الأيديولوجية الأممية الثالثة للحزب الشيوعي الفنزويلي
100عام على تأسيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية: إن الاستنتاجات المستخلصة من الثورة الاشتراكية والبناء الاشتراكي و إسقاطهما في الاتحاد السوفييتي، هي ذات أهمية كبرى للأحزاب الشيوعية والعمالية ضمن الصراع الطبقي المعاصر وظروف الحرب الإمبريالية.
الرفيقات والرفاق،
نشكركم على دعوتنا إلى ندوتكم. إننا نود بمناسبة حضورنا أن نؤكد لكم على موقف التضامن الراسخ للحزب الشيوعي اليوناني تجاه الشيوعيين و حزب فنزويلا الشيوعي و شعبها.
يتواجد اليوم الشيوعيون في جميع أنحاء العالم بصدد مسائل جديدة، وظروف جديدة للصراع الطبقي، ومهام جديدة، و التي لن نتمكن من حلِّها بنجاح من أجل قضية السلطة العمالية والاشتراكية، إذا لم نستخلص استنتاجات هامة من التاريخ. إن الذكرى المئوية لتأسيس أول دولة عمالية، اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، تمنح الفرصة لمناقشة الاستنتاجات المستخلصة من دراسة الثورة والبناء الاشتراكيين في الاتحاد السوفييتي و بنحو أشمل.
و في أيامنا هذه، يقوم البعض من بين أمور أخرى، باستدعاء اقتباس من كلمة ألقاها فيديل كاسترو، لإقناعنا بأن الاشتراكية ليست ذات حتميات ولا مبادئ. حيث قال فيدل: «من بين الأخطاء العديدة التي ارتكبناها جميعاً، كان الخطأ الأكثر أهمية هو الاعتقاد بأن أحداً ما كان يعرف عن الاشتراكية أو كان يعرف كيف تُبنى الاشتراكية. بدا الأمر وكأنه شيء مؤكد مثل النظام الكهربائي الذي اخترعه البعض ممن اعتبروا أنفسهم خبراء في الأنظمة الكهربائية. عندما قالوا، "هذه هي الصيغة"، اعتقدنا أننا نعرف[1]».
و من جانبنا، يجب أن نلاحظ أننا عندما نشير إلى اقتباسات، و لكي نتمكن من فهم معناها، ينبغي أن نرى متى قيلت وأين ولأي سبب. و هذا لا يعني أننا ملزمون بالموافقة على كل ما كتبته أو قالته شخصية ثورية. و على هذا النحو، و على سبيل المثال فإن لحزبنا وجهة نظر مختلفة لمفهوم "الإمبراطورية" الذي يُسعى وفقه لتحديد موقع الولايات المتحدة في العالم، والذي، كما سنبين أدناه، لا يطبع انعكاساً دقيقًا للعالم المعاصر، حيث تسيطر الرأسمالية الاحتكارية، أي الإمبريالية ويمكن أن يؤدي إلى نشوء أوهام. و لكن، فلنعُد إلى مقولة فيديل كاسترو المحددة، حيث يجب أن نقول إنها ذُكرت عام 2005 في كلمته أمام طلاب جامعة هافانا. كان الموضوع الرئيسي لهذه الكلمة هو مشاكل المسؤولية و الوعي الاجتماعي المنخفض، وسوء الإدارة المالية، والقرارات الحكومية الخاطئة، والاستيلاء الفردي والتعسفي على الثروة الاجتماعية، والفساد و ما شاكلها. و هي التي أبرزها فيديل في كلمته، متحدثاً إلى الشباب والطلاب، و مُستهلاً كلمته بضرورة عدم تكرار التطور الذي وقع في الاتحاد السوفييتي، في كوبا. أي أنه يتحدث وفق رأينا، عن المشاكل التي واجهتها محاولة البناء الاشتراكي في كوبا في "طُرقٍ جديدة لم يطأها أحد" والتي يعود سببها أيضاً إلى حصار الولايات المتحدة الإمبريالي المضروب على كوبا لا إلى حتميات البناء الاشتراكي. و في كل حال، فإن فيديل ينتقد في كلمته ذاتها "أولئك الذين اعتقدوا أنهم سيبنون اشتراكية بمناهج رأسمالية"، قائلاً إن هذا "كان أحد الأخطاء التاريخية الكبرى".
و كما أظهر تطور الاتحاد السوفييتي، فإن المشاكل غير المسبوقة التي تظهر في مسار البناء الاشتراكي يجب أن تُحل بنحو دافع من قبل حزب الطبقة العاملة. وهذا لا يعني بالتأكيد و على الإطلاق انتفاء وجود مبادئ يجب البحث عن حلول للمشاكل الجديدة على أساسها. أعتقد أنه من الشائع هو قول الشيوعيين: " إن الثورة هي مثل الدراجة. إذا توقفنا عن تحريك الدواسات، فسوف نسقط". وهذه "الدواسات" بالنسبة لنا ليست سوى مبادئ الثورة والبناء الاشتراكيين. إن كل تراجع غير مشروط عن المبادئ، و كذلك مراجعتها وإسقاطها "يُضر" بقضيتنا، و يُجسِّدُ -كما أثبت مسار الاتحاد السوفييتي - "مطية" للثورة المضادة. حيث لم يكن من قبيل الصدفة قيام قيادات دول برجوازية وجميع ضروب الانتهازيين بتكريم و وداع غورباتشوف قبل بضعة أشهر.
و في دراسته المديدة اﻷعوام للثورة والبناء الاشتراكيين و لإسقاط الاشتراكية، يركز الحزب الشيوعي اليوناني على ثلاثة جوانب جادة: الاقتصاد، والبنية السياسية الفوقية، واستراتيجية الحزب الشيوعي السوفييتي والحركة الشيوعية الأممية.
لقد سعينا ونسعى إلى استخلاص الاستنتاجات الضرورية، التي تعزز الحركة الشيوعية اﻷممية و حزبنا باعتباره جزءاً لا يتجزأ منها. و يعتبر أن عملية استخلاص الاستنتاجات هي حاسمة بنحو خاص في الظروف الحالية لتراجع الحركة الشيوعية و لتناسب القوى السلبي على المستوى الأممي للحركة العمالية.
أيها الرفاق،
يسعى إلى تضليل الجماهير الشعبية أولئك الذين يسيئون استخدام كلمة "اشتراكية" ويرفقونها بتعريفات مختلفة، مثل "الاشتراكية الديمقراطية" أو "اشتراكية القرن الحادي والعشرين" من أجل "تعميد اللحم كأسماك" وعرض الإدارة الاشتراكية الديمقراطية للرأسمالية على أنها اشتراكية أو حتى باعتبارها "مرحلة" في اتجاه اﻷخيرة.
و مع ذلك، فإن الاشتراكية، كما أظهرت ثورة أكتوبر، تعني ثورة اجتماعية، وتغييرا للطبقة المتواجدة في السلطة، لا انتصاراً انتخابياً واحداً أو أكثر، أو استفتاءاً من أجل إجراء تغييرات دستورية، ولا تشكيل حكومة يسارية فوق أرضية الرأسمالية، بل سحقاً لآلة الدولة البرجوازية. هو سحق ينبغي يجب أن يترافق حتما بالتملُّك الاجتماعي لوسائل الإنتاج، عبر مؤسسات جديدة للسلطة العمالية، و قيام التخطيط العلمي المركزي للاقتصاد.
هذا و أبرزت ثورة أكتوبر والبناء الاشتراكي دور الطبقة العاملة، الطبقة الثورية الوحيدة، والتي، على الرغم من كونها أقلية صغيرة في ذلك الوقت في روسيا، إلا أنها رسمت خط تحالف اجتماعي مع فقراء و متوسطي المزارعين و طوَّرت قوى الإنتاج في غضون بضعة عقود، و حققت قفزة ملفتة في مستوى مكاسب سائر الشعب الاجتماعية والثقافية والسياسية. و قدمت بهذا النحو، رداً عملياً على تلك الرؤى الانتهازية القائلة أن روسيا المتخلفة لم تكن جاهزة بعد من أجل البناء الاشتراكي، وأن هناك حاجة إلى "مراحل" أخرى تسبقها، من أجل تحقيق مستوى أعلى لتطور القوى المنتجة.
أحضرت الثورة صيغاً جديدة للسلطة العمالية إلى واجهة المشهد. و لأول مرة في التاريخ خُلقت مؤسسات ضمنت مشاركة العمال الجوهرية في إدارة جوانب مجتمعهم، و أخرجت الجماهير من هامش الحياة السياسية والاجتماعية. حيث جسدت السوفييتات دكتاتورية البروليتاريا. و أدى التراجع عنها إلى رؤية "حزب كل الشعب" و "دولة كل الشعب" التي سيطرت في الحزب الشيوعي السوفييتي في ستينات وسبعينات القرن الماضي، كما و كان قبل ذلك قد جرى تغيير أسلوب انتخاب السوفييتات عام 1936 و نقل أساسها من التجمعات العمالية إلى المناطق السكنية، و هي التي شكلت عوامل مهمة في إضعاف الطابع الثوري للسلطة العمالية و انحطاطها في نهاية المطاف. حيث شكَّل المؤتمر اﻠ20 للحزب الشيوعي السوفييتي بمثابة مؤتمر "انعطاف نحو ذلك".
لقد أظهر بناء الاشتراكية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية الإمكانات الهائلة للاقتصاد الشعبي، الذي تتمثل أحجار زواياه في التملُّك الاجتماعي لوسائل الإنتاج والتخطيط المركزي للاقتصاد والمشاركة العمالية. حيث كان للأخطاء التي حدثت أثناء البناء الاشتراكي، مثل تفكيك محطات الجرارات عام 1958، وإصلاحات كوسيغين عام 1965، وإضعاف التخطيط المركزي، على سبيل المثال مع إلغاء الوزارات القطاعية (1957)، و اعتماد الربح كمحرك للإنتاج و بنحو أشمل، لتعزيز العلاقات السلعية، عواقب مأساوية على الاشتراكية. حيث قاد السعي إلى "علاج" بعض المشاكل القائمة والتي ظهرت أثناء البناء الاشتراكي، عبر "دواء" السوق إلى ظهور السوق السوداء والفساد و الاستيلاء على جزء من المنتج الاجتماعي، وأخيراً إلى ظهور قوى اجتماعية داخل المجتمع و الحزب الشيوعي، كانت قد سعت إلى إسقاط الاشتراكية، وهو ما حققته عبر "مطية" "البيريسترويكا".
إسقاط الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي والعامل الثوري المعاصر
أيها الرفاق،
بعد إسقاط الاشتراكية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، وكذلك، بعد هيمنة العلاقات الرأسمالية في الصين، يمكننا القول إن نمط الإنتاج الرأسمالي سيطر مرة أخرى على الكوكب، مما أدى إلى تفاقم جميع المآزق الاجتماعية التي يعيد إنتاجها للشعوب هذا النظام: فقر، بطالة، إفقار اجتماعي، تسليع كل حاجة اجتماعية، حروب الإمبريالية و ما شاكلها.
على الرغم من هذا الانتكاس الاجتماعي، الناجم عن الانقلابات المضادة للثورة، فإن تقييم الحزب الشيوعي اليوناني هو أن عصرنا لا يزال عصر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، ما دام التناقض الأساسي بين رأس المال والعمل موجوداً و مستمراً في التعمق خلاله، مما ينتج نضوج الطابع الاجتماعي للعمل وازدياد حدة تناقضه مع الملكية الرأسمالية. إن هذا التضارب يضع نمط الإنتاج الرأسمالي في تناقض كامل مع الحاجات الاجتماعية المعاصرة. إن حل هذه التناقض ممكن فقط بالصراع الثوري للطبقة العاملة، التي أصبحت اليوم أكثر عدداً و أكثر تعليما بنحو واضح، مقارنة بما كانت عليه عام 1917 و هي التي ما زالت الطبقة الثورية الوحيدة.
و بالتأكيد، لا تغيب تلك القوى التي تتحدث باسم الثورة وتتخيل عوامل ثورية أخرى. لكن التحليل الماركسي، الديالكتيكي، المادي لتاريخ التطور الاجتماعي، يحدد في كل مرة العامل الثوري على أنه يتمثل في تلك الطبقة الاجتماعية، القادرة موضوعياً على قيادة صياغة وتطوير التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية الجديدة. لقد وُلد في يونان الأزمات الرأسمالية و في خضم النضالات والإضرابات، شعارٌ يعبر عن هذه الحقيقة. حيث يقول الشعار: "أيها العامل لا شيء يعمل من دونك، باستطاعتك العيش دون أسياد!". و هو شعارُ يُظهر و بصواب اتجاه صراعنا من أجل حل التناقض الاجتماعي الأساسي، من خلال قضاء الطبقة العاملة على المستغِلين، الرأسماليين.
إن واقعة تراجع الحركة النقابية العمالية و تفكك تنظيمها، تحت الضربات المنسقة للدولة البرجوازية و النزعة الإصلاحية، وكذلك الوضع الصعب الذي تتواجد فيه أحزاب الطبقة العاملة نفسها في كل مكان في العالم، لا ينبغي أن تضفي نحو ترك التجنُّد الأيديولوجي والبحث عن عوامل ثورية "جديدة" مزعومة. و مع ذلك، من المطلوب قيام عمل منهجي صبور من أجل إعادة تنظيم الحركة، واستيعاب خلاصة دروس الصراع الطبقي من القرن الماضي، مع الإصرار على المبادئ الأساسية لنظرية الماركسية اللينينية الكونية. اتخذ الحزب الشيوعي اليوناني مبادرات مهمة لإعادة تنظيم الحركة النقابية العمالية. هي مبادرات جلبت "ثماراً" مهمة، من خلال تشكيل جبهة النضال العمالي (بامِه) و الصراع من أجل إعادة إحياء النقابات، وتوسيع محتوى عملها، وأشكال نضالها في اتجاه تعزيز الصراع الطبقي.
عن طابع الثورة وسياسة التحالفات
من المؤكد أن حزبنا الذي يعتبر نفسه "جزءاً واعياً ومنظماً وطليعياً من الطبقة العاملة" لا يتواجد فحسب وراء كل نضال صغير أو كبير للطبقة العاملة، و كل مكسب للطبقة العاملة في السنوات الـ 104 الماضية، بل و " يتمثَّل هدفه الإستراتيجي في إسقاط الرأسمالية وبناء الاشتراكية - الشيوعية[2]". و مع دراسة حزبنا تاريخه وتاريخ اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، و الاستراتيجية التي سيطرت ضمن الحركة الشيوعية العالمية، تخلى عن مقاربات خاطئة - في رأينا- حول المراحل الوسيطة في اتجاه الاشتراكية، أو حول "الانتقال السلمي" إلى الاشتراكية، وكذلك عن التقسيم الخاطئ للاشتراكية الديموقراطية إلى "يمينية" و "يسارية"، وتقسيم الطبقة البرجوازية الخاطئ بنفس القدر إلى "كومبرادورية" و "وطنية". هذا و لم تُدحض فحسب هذه المقاربات، بل و "نزعت سلاح" الأحزاب الشيوعية لفترة طويلة و هو المتمثل في الإستراتيجية الثورية. و قادت إلى تراجعات غير مقبولة عن مبادئ الماركسية اللينينية، وأثقلت كاهل اﻷحزاب الشيوعية بمسؤوليات إدارة النظام ضمن حكومات "اليسار" أو "يسار الوسط" التي اتخذت في نهاية المطاف تدابير قاسية مناهضة للشعب، و شاركت في تداخلات و حروب إمبريالية و أبَّدت الهمجية الرأسمالية.
لقد خلُص الحزب الشيوعي اليوناني إلى أن طابع الثورة في اليونان سيكون إشتراكيا ونحن نعمل في اتجاه إعداد العامل الذاتي من أجل منظور الثورة الاشتراكية. و بالتأكيد، فإن فترة زمن تجليها يتحدد من الظروف الموضوعية، من الحالة الثورية.
و يُفرض اليوم إلى جانب إعادة تنظيم الحركة العمالية، أيضاً تشكيل تحالف اجتماعي للطبقة العاملة مع فقراء المزارعين والشرائح الشعبية في المدن. هو تحالف ليس ﻠ"قمم سياسية" و لا لقوى سياسية ملونة مع قوى انتهازية واشتراكية ديمقراطية، تلغي دور الحزب الشيوعي، بل تحالف قوى اجتماعية. هو تحالف اجتماعي سيناضل من أجل كل مشكلة شعبية وفي الظروف الثورية سيتحول إلى جبهة ثورية شعبية، ستطيح بالهمجية الرأسمالية و تحقق فكاك البلاد من الاتحادات الإمبريالية لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وتشكل مؤسسات السلطة العمالية الثورية الجديدة.
عن الحركة الشيوعية والحرب الإمبريالية
الرفاق الأعزاء،
تطرّقت إلى بعض الاستنتاجات الرئيسية من دراسة الثورة والبناء الاشتراكيين في الاتحاد السوفييتي، تحت ضوء معالجات الحزب الشيوعي اليوناني. هي معالجات أقدم حزبنا على إنجازها في العقود الأخيرة، بعد فترة 1989-1991،و حينما فشلت و لمرة أخرى محاولة الانتهازية لتفكيك حزبنا من الداخل، حيث خاض الحزب عملية إعادة بناء تنظيمي وأيديولوجي سياسي عميق من أجل إعادة اﻹعتبار لطابعه الثوري. و تمثَّلت محطات مهمة لهذه المحاولة في المؤتمر اﻠ18 للحزب الشيوعي اليوناني، حيث نوقش و صودق على قرار للمؤتمر ذي صلة[3]، و كذلك أيضاً في المؤتمر اﻠ19 لحزبنا الذي صادق على البرنامج الجديد لحزبنا. و فوق هذا الأساس المتين، قام كل من المؤتمرين اﻠ21 و اﻠ22 اللذان أعقبا ذلك، بدراسة التطورات المعاصرة في اليونان و العالم، واليوم، نعتقد أننا و مع امتلاكنا لمدد كل المحاولة المذكورة، متواجدون في موقع يتيح لنا التموضع تجاه المسائل التي تحضر أمامنا، و من ضمنها مثال الحرب الإمبريالية الدائرة على أراضي أوكرانيا.
إن الحرب، تلك الحرب التي تشارك بها عشرات البلدان بهذا اﻷسلوب أم سواه، هي مسألة حاسمة بالنسبة للحركة الشيوعية اﻷممية. و في هذه الحالة، أبرزت الحرب أوجه ضعف مهمة في الخلفية النظرية لتموضع العديد من الأحزاب الشيوعية،و حتى لبعضها التي تزعم استنادها إلى الماركسية اللينينية.
هذا و بقيت بعض الأحزاب ببساطة عند بعض الخلاصات المتعلقة بضرورة احترام القانون الدولي، وحرمة الحدود، والحل السلمي للمشاكل، وما إلى ذلك. إن تلك الخلاصات التي تتجنب التركيز على أسباب الحرب، غالباً ما تروج لوجهة نظر لاعنفية، تدين الحرب شفهياً و تُظهر إمكانية وجود "عالم متعدد الأقطاب" سيحل مكان "العالم أحادي القطب" "للهيمنة" الأمريكية في النظام الإمبريالي. لذلك يُزعم، بدون أي أساس، أن باﻹمكان و دون تغيير الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمجتمعات اليوم، فوق أرضية الرأسمالية، أن تكون هناك "أنظمة أمنية" مختلفة، و مختلف "الاتفاقيات الدولية" و "الموائد المستديرة" التي ستخلص العالم من الحروب، ما دمنا لسنا بصدد قوة إمبريالية عاتية واحدة فقط، بل بصدد العديد من هذه القوى. إن هذه المقاربة التي تتمثل جذورها و على حد السواء في كل من نظرية كاوتسكي عن ما بعد الإمبريالية، كما و في الرؤى الانتهازية للحزب الشيوعي السوفييتي حول "التعايش و المباراة السلميين" بين النظامين، و هي رؤية تتخيل وجود إمبريالية سلمية. إن الحقيقة في الحاصل، هي أن نمط الإنتاج الرأسمالي، سواء كان مع "قطب" واحد أو عدة "أقطاب" هو متأصل في الحرب، ومتشابك معها، كما و مع الأزمات الاقتصادية الرأسمالية.
و في تقديرنا، مخطئة بنحو شامل هي الآراء التي تدعم ظهور "عالم متعدد الأقطاب"، والذي يُزعم أنه سيشكل ثقلًا معطلاً لـ "إمبراطورية" الولايات المتحدة، عبر "تصحيح" المنظمات الدولية. إن هذه أوهام خطيرة لا علاقة لها بالواقع.
عن عملية إعادة الترتيب في النظام الإمبريالي
لقد سجَّل لينين أن "التطور الاقتصادي والسياسي غير المتكافئ هو القانون المُطلَق للرأسمالية[4]" ومن هذا القانون تنشأ و على حد السواء إمكانية "انتصار الاشتراكية في البداية في عدد قليل أو حتى في بلد واحد مأخوذ" وكذلك عمليات إعادة الترتيب المتعاقبة في قوة الطبقات البرجوازية. حيث تحدد القوة المختلفة لكل بلد، على أساس التطور غير المتكافئ للرأسمالية، درجة مشاركة الطبقة البرجوازية لكل بلد في اقتسام الغنائم، و ذلك من خلال شبكة من التبعيات المتبادلة غير المتكافئة التي يتسمُ بها "هَرَمُ" الإمبريالية. إننا نرى على مر الزمن تراجعاً لطبقات برجوازية لبعض البلدان كمثال بريطانيا الحالية التي كانت تمتلك "صولجان" العالم، بسبب التطور الرأسمالي غير المتكافئ، بينما برزت مستعمراتها السابقة، كالهند وأستراليا، باعتبارها قوى عاتية في العالم الرأسمالي المعاصر. و موصوفة اليوم هي إمكانية مقارنة قطب بلدان منظمة شنغهاي للتعاون، أو بريكس، التين بدأ تشكيلهما في 2001 و 2009 على التوالي حول نواة الصين، من حيث القوة الاقتصادية والعسكرية بأعتى تحالف إمبريالي لمجموعة السبع، التي تشكلت منذ عام 1975 حول نواة الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن و في الوقت نفسه، يرى العمال في جميع أنحاء العالم لأول مرة هذه القوى، القادرة على تدمير البشرية بقوتها النووية، و هي تتبادل الاتهامات و تعيد تعديل عقيدتها النووية، مع التخلي عن الالتزام بعدم مبادرتها استخدام الأسلحة النووية. إننا نرى أن "العالم متعدد الأقطاب" الجديد الذي هو قيد التشكُّل، هو عالم التناقضات الأكثر حدة، و هو الذي يقود إلى حروب جديدة ومخاطر للشعوب.
في الآونة الأخيرة، و بصدد التطورات وخاصة الحرب الإمبريالية في أوكرانيا، ركزت بعض الأحزاب الشيوعية الأخرى فقط على المسؤوليات الجلية التي تُثقل الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، الذين عملوا منذ سنوات على التقدم في تطويق روسيا. حتى أن هذا ترافق مع مقاربة قائلة أن روسيا هي رأسمالية، لكنها ليست قوة إمبريالية. إن هذه المقاربة تتجرد من واقعة عدم كون الإمبريالية مجرد سياسة عدوانية، بل أنها الرأسمالية في مرحلتها الاحتكارية الحديثة. إن الاحتكارات الكبيرة تسيطر اليوم في جميع أنحاء العالم وفي روسيا. من الجلي أن خطط الناتو والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عملت على مدى الثلاثين عاماً الماضية على إضافة "مادة قابلة للاحتراق" إلى هذا الصدام، ولكن متى بدأ جمع هذه المادة؟ ألم يبدأ ذلك بإسقاط الاشتراكية وتفكيك الاتحاد السوفييتي وحتى بنحو انقلابي ضد إرادة غالبية شعوبه؟ ألم يكن حينها عندما بدأ تحول المصانع والورشات والمناجم والنفط والغاز الطبيعي والمعادن النفيسة و قوة العمل، و عن جديد إلى سلعة؟ و وقتئذ بعد سبعة عقود من البناء الاشتراكي حيث أصبح كل ما ذكر و لمرة أخرى "موضع خلاف" للرأسماليين و للشركات الاحتكارية الكبرى؟ ألم يسهم في هذا التطور كل أولئك الذين يملكون القوة الاقتصادية و السياسية في روسيا؟ أين كان بوتين وكل هؤلاء الرأسماليين الروس، ممن يُسمون "أوليغارشيين" و هم الذين يمثلهم؟ أكانوا مع ذلك التيار الاجتماعي السياسي الذي سعى لإنقاذ الاشتراكية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية أم مع أولئك الذين أرادوا إسقاطها؟ من الجلي أنهم كانوا مع التيار الثاني، على الرغم من واقعة ذرفهم اليوم "دموع التماسيح" على تفكيك الاتحاد السوفييتي، حتى أنهم يسعون حتى لاستغلال ستالين، بعد "تعقيمه" من عمله و من طبيعته الثورية.
و لكن هل تكون الطبقة البرجوازية الروسية اليوم "خروفاً" في عالم "الذئاب" الإمبريالية، على غرار توصيف البعض للوضع؟ ما من طبقة برجوازية هي "حمامة بريئة". إن كل طبقة برجوازية تظهر عدوانيتها في المقام اﻷول على العمال والشرائح الشعبية في بلادها، التي تستغلها، وبعد ذلك، تروج فوق أساس قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية لاستغلال الشعوب الأخرى أيضاً. رأينا على سبيل المثال أن «تطلعات طبقة روسيا البرجوازية قد برزت بوضوح في تدخل" منظمة معاهدة الأمن الجماعي" في كازاخستان لحماية سلطة الطبقة البرجوازية، في شهر كانون الثاني\ يناير الماضي، ضد الانتفاضة الشعبية في هذا البلد الواقع في وسط آسيا[5]». و كانت قوى لم يتوضح لها دور روسيا والصين والطابع الطبقي للإتحادت الدولية التي تشكلها اﻷخيرتان، قد حاولت إعزاء التحركات الشعبية إلى تدخل إمبريالي "غربي". و بالتأكيد، فإن« قيام المزاحمات الإمبريالية البينية والتضاربات البرجوازية البينية هو أمر مفروغ منه، لكنه غير قادر على التعتيم على أهمية التحرك الشعبي والصراع الطبقي، و الاستهانة بأهميتهما. و على نقيض ذلك، فإن هذه الواقعة تبرز بنحو أكبر أهمية النضالات التي طُوِّرت ضمن هذه الظروف الصعبة (...) . من واجب الشيوعيين أن يميزوا العناصر الجديدة في كل مرة وأن يتموضعوا وفق معيار طبقي، و أن يُعربوا عن دعمهم للصراع العمالي الشعبي....[6]»
و في الحاصل، فإن التحليل الذي يختزل الإمبريالية بالولايات المتحدة حصرياً، أو يشمل فقط بعض بلدان الاتحاد الأوروبي العاتية، ليست له أية علاقة بالماركسية اللينينية.
الإنقسام واختيار أحد الإمبرياليين
ترى بعض الأحزاب أن النظام الروسي قد يكون برجوازياً، لكنه يروج لسياسة "مناهضة للفاشية" ويصطدم مع "الفاشيين الأوكرانيين" ويحاول علاوة على ذلك "إنقاذ" شعب دونباس منهم. و ينبش البعض من ذاكرتهم سياسة اﻷممية الشيوعية عن "الجبهات المناهضة للفاشية" ويحاولون نقلها إلى اليوم. و يفوتهم أن خط الجبهات المناهضة للفاشية ساد عندما كان الاتحاد السوفيتي موجوداً، بينما توجد اليوم في مكانه قوة رأسمالية عاتية. علاوة على ذلك، يفتقر هذا التموضع إلى أي مقاربة نقدية للمسار التاريخي للحركة الشيوعية الأممية. لقد خَلُص الحزب الشيوعي اليوناني اليوم، و مثله أحزاب شيوعية أخرى، من خلال دراسة التاريخ إلى استنتاج مفاده أن خط الجبهات المناهضة للفاشية أثبت أنه ضار للحركة الشيوعية اﻷممية. إننا نقدر أن ما يسمى بإستراتيجية المراحل نحو حيازة السلطة العمالية الثورية سيطرت على خط الأممية الشيوعية. وهكذا، كهدف أساسي، تم إيلاج عتبة فاصلة حكومية برجوازية كانت تارة ذات خصائص مرحلة استقلال وطني أو مرحلة ديمقراطية برجوازية مناهضة للفاشية، فوق أرضية الرأسمالية. تم رسم هذا الاتجاه في المؤتمر السابع للأممية الشيوعية، الذي تبنى استراتيجية الجبهات الشعبية المناهضة للفاشية، والتي وجهت الأحزاب الشيوعية نحو التعاون مع الاشتراكية الديمقراطية و بنحو أشمل مع القوى السياسية "البرجوازية الديمقراطية". و في الممارسة، جرى اقتطاع الفاشية عن النظام الذي يلدها وعن الطبقة البرجوازية التي تختار هذا الشكل من أشكال دكتاتورية رأس المال. أفتح قوسين هنا للإشارة إلى أنه في خطاب فيدل كاسترو المذكور أعلاه، في عام 2005 ، انتقد فيديل الأممية الشيوعية و ستالين شخصياً على التوجه الذي قاد الحزب الشيوعي الكوبي عام 1934 لإبرام "تحالف مناهض للفاشية" مع باتيستا، الذي قام من بين أمور أخرى في ذلك الوقت بقمع تحرك عمالي كبير. و بالتأكيد فإن اﻷمر الرئيسي هو أنه و بسبب هذا التوجه بالنسبة للحزب الشيوعي اليوناني، كما هو الحال بالنسبة للأحزاب الأخرى في أوروبا الغربية، التي لعبت دوراً مهماً في المقاومة ضد الاحتلال الفاشي الأجنبي، فهي «لم تستطع ربط النضال المسلح ضد الفاشية من أجل التحرر مع النضال من أجل الاستيلاء على السلطة العمالية، كما أن التفكيك الذاتي للأممية الشيوعية لم يساهم في هذا الاتجاه[7]».
و سُبب مزيد من اﻹلتباس من «التقسيم السياسي للتحالفات الإمبريالية في تلك الفترة، إلى تحالفات هجومية صنفت كفاشية، و تحالفات دفاعية صنفت ضمنه القوى البرجوازية الديمقراطية (...) و بالمثل، فإن تقسيم المراكز الإمبريالية إلى محبة للسلم و حربية، فرض تعتيماً على المذنب الحقيقي تجاه الحرب الإمبريالية وصعود الفاشية، أي الرأسمالية الاحتكارية[8]».
و تتطور اليوم وجهات نظر برجوازية و ضارة، مثل وجهة نظر "الفاشية القابلة للتصدير" والتي تنسب توصيف "الفاشية" إلى بعض أعتى القوى الإمبريالية (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي) مسببة بذلك تعتيماً جديداً، سواءاً حول سبب ولادة و تعزيز التيار الفاشي الموجود في الرأسمالية الاحتكارية نفسها وداخل كل بلد، وكذلك أيضاً حول أسباب الحرب الإمبريالية. إن الدعوات لكي نصوغ "جبهات مناهضة للفاشية" في اتجاه لا طبقي، أي لصياغة تحالفات دون معايير اجتماعية وطبقية، والانضمام إلى ما يسمى بـ "الدول المناهضة للفاشية"، تسعى إلى إيصال الشيوعيين نحو دعم الحرب الإمبريالية واختيار "أحد اللصوص" و للمحاربة تحت "راية أجنبية" و هو ما يتوجب رفضه!.
أهمية مبادئ البناء الاشتراكي من أجل الموقف تجاه الصين
تعتقد بعض اﻷحزاب الأخرى، و عن صواب، أن الصدام الحربي في أوكرانيا هو جزء من صدام أشمل يجري بين القوى الأوروأطلسية والصين. إن هذا التقييم صحيح، إلا أن البعض، ممن لم يستخلصوا استنتاجات من إسقاط الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، يواصلون رؤيتهم للصين ﻛ"دولة اشتراكية"، أو "دولة تبني اشتراكية بخصائص صينية". و على هذا الأساس، فإنهم يعيدون إنتاج أنماط الماضي، مثل ما يسمى بـ "الحرب الباردة"، أو المواجهة بين تشكيلتين اجتماعيتين سياسيتين، للرأسمالية والاشتراكية. بيد أن هذه اﻷحزاب تغفل عن واقعة أن النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لبلد ما لا يعتمد على ماهية اسم الحزب الحاكم و إعلاناته، بل على طبيعته الطبقية. لقد وجب على كل اﻷحزاب الشيوعية أن تتخذ درساً من انتهاك مبادئ البناء الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي و من مآله. تسيطر في الصين اليوم، علاقات الإنتاج الرأسمالية، و تشكل قوة العمل سلعة، و جرى تسليع الحاجات الاجتماعية، كما يجري الحال في باقي العالم الرأسمالي. و يُحكم على الملايين من البشر بالفقر، في وقت تحتل الصين المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد المليارديرات. حيث يُنتج و بنحو مستقر اعتباراً من عام 2012 ما يزيد عن 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي للصين من قبل القطاع الخاص[9]. حيث صاغت الدولة الصينية "ترسانة" كاملة لدعم الرأسماليين الصينيين، تحتوي على تدابير مماثلة لتلك السارية في باقي العالم الرأسمالي. و في الحاصل، ليس قبيل الصدفة هو وصول عدد المليارديرات الصينيين في عام 2020 ، وسط ظروف الأزمة الرأسمالية المستمرة التي كان الوباء بمثابة محفز لها، إلى 799 متجاوزاً لأول مرة عدد نظرائهم في الولايات المتحدة الأمريكية الذي بلغ 626. و تتواجد في حوزة أعتى الرأسماليين الصينيين، مجموعات تجارة ألكترونية ضخمة ومصانع و فنادق ومراكز تسوق ودور سينما ووسائل تواصل اجتماعي وشركات الهاتف المحمول وما إلى ذلك[10]. و في الوقت نفسه، هناك عشرات الملايين من المهاجرين الداخليين الهائمين على وجههم (يُقدَّر عددهم ﺒ 290 مليوناً) و هم العاملون في وظائف مؤقتة وقد يظلون عاطلين عن العمل دون احتسابهم في الإحصاءات الرسمية، و هم الذين يُحتمل أن تصل نسبتهم إلى 30٪ من قوى البلاد العاملة[11]. و يُستثنى عشرات الملايين من البشر من الخدمات الاجتماعية المعاصرة، كالتعليم التقني والعالي والرعاية الصحية، بسبب تسليع هذه الخدمات ونظراً لأن دخل هؤلاء هو منخفض للغاية[12].
و موصوفة هي واقعة ملاحظتنا مؤخراً عمليات الهدم الجارية في الصين بالكامل لمبانٍ سكنية مبنية حديثًا (أكثر من 3 مليارات متر مربع، والتي كان بإمكانها استيعاب 75 مليون شخص)، في محاولة من قبل احتكارات القطاع المعيَّن للحد من عواقب ما يسمى "فقاعة" العقارات[13]. وهذا عندما يكون عشرات الملايين من الفقراء بلا مأوى بسبب موجة التحضر، و هم الذين يقدر عددهم بأكثر من 200 مليون.
و نظراً لأن البعض يقارن وضع الصين مع السياسة الاقتصادية الجديدة (نيب)، يجب أن نؤكد أنه لا توجد مقارنة بين السياسة الاقتصادية الجديدة والوضع الحالي في الصين، مثل مدتها، أو واقعة امتلاك السياسة الاقتصادية الجديدة لطابع "التراجع"، كما أكد لينين[14] مراراً وتكراراً، ولم تجري أدلجتها باعتبارها عنصراً للبناء الاشتراكي، كما هو الحال مع سيطرة العلاقات الرأسمالية في الصين عبر بدعة "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية". و بالإضافة لذلك، فخلال فترة السياسة الاقتصادية الجديدة (نيب) لم يُحظر فحسب على رجال الأعمال أن يكونوا أعضاءاً في الحزب البلشفي، بل كانوا قد حُرموا من حقوقهم السياسية على أساس كِلا الدستورين السوفيتيين (1918 و 1925) اللذين تم إقرارهما حينها، و ذلك على النقيض من واقع الصين الحالية، حيث يشغل العشرات من رجال الأعمال مواقع في البرلمان و في الحزب الشيوعي.
إن السلطة هي رأسمالية اليوم في الصين و هي تُعرب عن مصالح رأس المال. و في الحاصل، فإن الصدام العالمي ليس جارياً بين قوى الرأسمالية والاشتراكية، بل بين قوى العالم الرأسمالي المعاصر، التي تتزاحم فيما بينها على صدارة النظام الإمبريالي العالمي. و للأسف، بغير اﻹمكان إدراك هذا اﻷمر بسهولة إذا لم نستخلص استنتاجات من البناء الاشتراكي و من إسقاطه في الاتحاد السوفييتي، وما زلنا ملتصقين بآراء مفادها أن السوق مترابطة مع الاشتراكية. حيث لا تزال متواجدة لدى العديد من الأحزاب المقاربة النظرية الخاطئة و القائلة بأن قانون القيمة هو قانون حركة نمط الإنتاج الشيوعي في طوره الأول (الاشتراكي)، و هي المقاربة التي سيطرت منذ منتصف الخمسينات في الاتحاد السوفييتي ومعظم اﻷحزاب الشيوعية. حيث تم تعزيز هذا الموقف، بسبب الحفاظ على العلاقات النقدية - السلعية، خلال الانتقال المخطط من الإنتاج الفردي إلى الإنتاج التعاوني. و فوق هذه اﻷرضية تمظهر ثِقل أوجه قصور نظرية، كما و أوجه ضعف سياسية، في صياغة وتنفيذ كل خطة مركزية. وبالتأكيد، كما سجَّلنا سلفاً فيما يخص العقود الأخيرة من وجود الاتحاد السوفييتي، حيث أدت السياسات الانتهازية إلى إضعاف أبعد للتخطيط المركزي، و إلى تآكل الملكية الاجتماعية و تعزيز قوى الثورة المضادة.
و ضمن الصراع الذي دار داخل الحزب الشيوعي السوفييتي، لم تتمكن المواقف والتوجهات الصحيحة لكل من ستالين و "الإقتصاديين المناهضين للسوق" و الكوادر الحزبية، من تشكيل معالجة نظرية شاملة وخط سياسي موازٍ، قادر على مجابهة الموضوعات النظرية السوقية و الخيارات السياسية المُتعزِّزة التي غَلبت في نهاية المطاف.
على المستوى النظري، سيطرت نظريات "الإنتاج البضاعي الاشتراكي" أو "اشتراكية السوق" ، وقبول قانون القيمة كقانون لنمط الإنتاج الاشتراكي (الشيوعي غير الناضج) الساري المفعول أيضاً في مرحلة التطور الاشتراكي. لقد شكَّلت هذه النظريات قاعدة صياغة السياسة الاقتصادية، التي أدت إلى قيام انقلابات الثورة المضادة.
و على الرغم من ذلك، فإن تطور الثورة المضادة و إسقاط الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي لا يثبت تفوق السوق على التخطيط المركزي. بل بالعكس! لقد جاء ذلك نتيجة انتهاك قوانين البناء الاشتراكي. لقد كان نتيجة التراجع عن محاولة توسيع وتعميق علاقات الإنتاج الاشتراكية - الشيوعية غير الناضجة - من أجل سيطرتها الكاملة. و ما من أساس للمقاربات التي تحاول إثبات تفوق السوق على التخطيط المركزي، عبر النمو الاقتصادي السريع للصين على مدى العقود الثلاثة الماضية. وذلك لأن التخطيط العلمي المركزي لاقتصادها لم يُطبَّق أبداً، في حين أن رسملة الصين الحالية السريعة "أثقلت" كاهل الشعب بالاستغلال و بجميع المآزق الاجتماعية التي تواجهها بقية المجتمعات الرأسمالية. وكما قال تشي:"ما من تعريف آخر للاشتراكية سوى إلغاء استغلال الإنسان للإنسان[15]".
أيها الرفاق،
في اليونان، يتصدر الحزب الشيوعي اليوناني الصراع ضد الاتحادات المناهضة للشعوب، ضد الناتو و الاتحاد الأوروبي، ضد التحالف الاستراتيجي للطبقة البرجوازية وأحزابها مع الولايات المتحدة، ضد الأمريكية – اﻷطلسية، و ضد سياسات الحكومات المناهضة للشعب، النيوليبرالية منها والاشتراكية الديمقراطية و التي تعاقبت على الحكم في السنوات الأخيرة.
إننا نسعى لإكساب صراع الشعب اتجاهاً مناهضاً للاحتكار والرأسمالية، من أجل حشد قوى جديدة و إسقاط تناسب القوى السلبي، لفتح الطريق من أجل الاشتراكية.
و في الوقت نفسه، نعتقد أن من الضرورة أيضاً للحركة الشيوعية الأممية هو استخلاص استنتاجات من الهزيمة المؤقتة للاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، لكي تعثر على "إيقاع خطاها" الثوري لكي تتمكن من الإضطلاع بالواجبات المعاصرة المتواجدة بصددها. و لهذا السبب اتخذ الحزب الشيوعي اليوناني مبادرة عقد اللقاءات السنوية الأممية للأحزاب الشيوعية و العمالية، و أقدم على صياغة أشكال أخرى للتعاون المتعدد الأطراف للأحزاب الشيوعية، كالمجلة الشيوعية اﻷممية،التي نشارك ضمنها مع الحزب الشيوعي الفنزويلي، كما و المبادرة الشيوعية الأوروبية. إننا نعتقد أن باﻹمكان اليوم فتح النقاش الضروري الذي سيروج لهدف تشكيل استراتيجية ثورية واحدة، ستسهم في إعادة التنظيم الثوري للحركة الشيوعية اﻷممية.
[1] كلمة فيديل كاسترو في جامعة هافانا، 17 تشرين الثاني\نوفمبر 2005
http://www.fidelcastro.cu/ru/print/1074
[3] قرار المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي اليوناني. تقديرات و إستنتاجات استخلصت من عملية البناء الإشتراكي في إتحاد الجمهوريات السوفييتية الإشتراكية خلال القرن العشرين. الإشتراكية وفقاً لتصور الحزب الشيوعي اليوناني- أثينا 18 – 20 شباط\فبراير 2009
http://arold.kke.gr/news/2010news/resolution-on-socialism.html
[4] ف.إ.لينين: عن شعار الولايات المتحدة الأوروبية. 15 آب\أغسطس 1915، نُشر في العدد 44 من صحيفة "سوسيال ديموكرات".
[5] يورغوس مارينوس: يقوم اﻹمبرياليون بإعادة اقتسام اﻷرض و يرسمون الحدود بدماء الشعوب. عدد صحيفة رزوسباستيس الصادر فس 5\6\2022
[6] يورغوس مارينوس: بغير إمكانهم النيل من مكانة الصراع الطبقي، لقد كان و سيبقى "محرِّك" التطور اﻹجتماعي
http://inter.kke.gr/ar/articles/--01586/
[7] إيليني بيلّو: استنتاجات من الثورة – البناء الاشتراكيين في القرن اﻠ20. العدد 2 لعام 2019 من مجلة كومونيستيكي إبيثيوريسي.
[8] بلاغ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني بمناسبة مرور 100عام على ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى
http://inter.kke.gr/ar/articles/-100--00003/
[9] صحيفة الشعب اليومية بتاريخ 6\3\2019 - http://russian.people.com.cn/n3/2019/0306/c31518-9553049.html
[11] المصادر: https://regnum.ru/news/society/2972959.html - https://www.vedomosti.ru/economics/articles/2020/06/16/832721-kitayu-borba-bednostyu
[12] ضخم هو على سبيل المثال ازدياد عدد الشركات الطبية الخاصة، التي تستغل حاجة العمال لمنافع صحية معاصرة. فقد ارتفعت نسبة عدد اﻷسرِّة التي تمتلكها من 6٪ عام 2005 إلى 22٪ عام 2016 المصدر: https://carnegie.ru/commentary/81082
[13] يتم هدم المباني الجديدة في مدن الأشباح في الصين لأن ما من أحد يشتريها. دخلت أزمة الإسكان في الصين مرحلة حادة".
[14] لينين ، مؤتمر السوفييتات التاسع لعامة روسيا المؤلفات الكاملة، المجلد 44.
[15] خطاب تشي غيفارا في القمة الثانية للتضامن الآسيوي- الأفريقي. 22-27 شباط\فبراير 1965 بالجزائر.