روابط المواقع القديمة للحزب
عن الاحتدام الجاري بين القوى الأوروأطلسية وروسيا
نُشر في عدد صحيفة "ريزوسباستيس" الصادر بتاريخ 12\2\2022
تتعزز في الأسابيع الأخيرة المواجهة القائمة بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي مع روسيا، و تتركَّز في التطورات الجارية في أوكرانيا. حيث تترافق المواجهة اللفظية والدبلوماسية مع تحريك قوى عسكرية و قيام تدريبات كبيرة على كلا الجانبين، كما و مع نشاط الدبلوماسية السرية.
ليس الأمر متعلقاً بذريعة "الخروف الذهبي"
سيكون من الصعب اليوم على الشعوب الدخول في حرب و إراقة دمائها من أجل ذريعة "الخروف الذهبي" أو "هيلين الجميلة"، و على الرغم من ذلك، لم يتوقف الاستخدام الجاري لذرائع إطعام مسخ الحرب الإمبريالية.
و على هذا النحو، يحاول كل طرف عرض حججه الخاصة حول المواجهة و "إلباسها لبوساً" مع قيامه ﺒ"تزيين" الطرف الآخر بنحو مناسب لذلك. و تزعم الولايات المتحدة وباقي القوى الأوروأطلسية أن الكلام جارٍ عن حق "دولة ذات سيادة" (أوكرانيا) في اختيار تحالفاتها والحفاظ على وحدة أراضيها، التي تتعرض للطعن من قبل العدوانية الروسية. معتبرة مثالاً لذلك، إلحاق شبه جزيرة القرم بروسيا والدعم الذي تقدمه الدولة الروسية إلى المناطق الانفصالية لأوكرانيا (كمنطقة دونباس) ولجورجيا (أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية)، فضلاً عن وجود القوات العسكرية الروسية في أراضي مولودوفا المنسلخة (ترانسنيستريا).و من بين أمور أخرى، "يُلبس" الجانب الأوروأطلسي دعايته المعادية لروسيا ذريعة "الديمقراطية" في مواجهة "زعيم استبدادي"، ضد رئيس روسيا، فلاديمير بوتين. حتى أن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، وصَّف التقارب المشترك بين روسيا والصين بأنه "تحالفٌ لأنظمة استبدادية". و في بلدنا، يثير بعض مؤيدي هذه "السرديات" مزيداً من الالتباسات من خلال وصفهم الصين بهتاناً بأنها "شيوعية" و روسيا بأنها "شبه شيوعية"، بينما يركز البعض الآخر على تعاون روسيا مع تركيا، في محاولة للربط بين الدعاية المعادية لروسيا بدعايته اﻷعتى المناهضة لتركيا.
و في الجانب الآخر، تزعم روسيا بأن الأمر لا يتعلق فقط بأوكرانيا، بل بضمانات لأمن روسيا. حيث تقدِّر أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وأن نقل أنظمة مضادة للصواريخ الباليستية إلى رومانيا وبلغاريا، يقلب "ميزان الرعب" القائم، أي إمكانية قيامها بالرد على الضربة النووية الأولى المحتمل شنها من قبل الناتو ضدها. و تسجِّل أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو، في وقت عدم قبول الأخيرة بإلحاق شبه جزيرة القرم بروسيا، و اعتبارها أراض أوكرانية واجب تحريرها، قد يقود إلى نشوب حرب بين قوى الناتو وروسيا، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها. و من أجل ردع المخططات العسكرية الجارية ضده، يبدو الجانب الروسي مستعداً للقيام "بنشاط" بما فيه نشاط عسكري لم يوضِّح معالمه. و هو يقوم علاوة على ذلك، بإلباس محاججته المناهضة للغرب لبوس "السلام" وحماية المواطنين الروس والناطقين بالروسية من عدوانية الناتو. و في بلادنا، إضافة لذلك، يدعونا بعض مؤيدي "السردية" الروسية إلى خوض نضال مناهض للفاشية ضد "كييف الفاشية"، متجاهلين واقعة عدم انقضاء وقت طويل على إشادة الرئيس الروسي بمُنظِّر الفاشية الروسي، الفيلسوف إيفان إيلين، الذي سيجد المرء بين عناوين أعماله ما يلي: "الاشتراكية القومية. روح جديدة"،" حول الفاشية الروسية"،" في الفاشية "و ما شاكلها من أعماله.
يتساءل الكثير من العمال في بلادنا، وكذلك في بلدان أخرى، من هو المُحق و من هو المُجحف؟ أيٌ من الجانبين المذكورين يستند على القانون الدولي ومن ينتهكه؟ و في نهاية المطاف، ما الواجب فعله من قبل العمال في هذه الظروف؟
القانون الدولي: "التنجيمات" المعاصرة
سيصاب بالخيبة جميع أولئك الذين ينتظرون العثور على الحقيقة في الإطار الحالي للقانون الدولي، لأن هذا يذكرنا بشكل متزايد بالتنجيمات القديمة، والتي كان باستطاعة كل مُنجِّم تفسيرها بنحو مختلف. حيث تتذرع اليوم جميع الأطراف بالقانون الدولي، كما و تفسره وفق ما يناسبها.
إن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تشير إلى" حق كل دولة في دفاعها عن النفس فرادى أو جماعات"، هي التي تتذرع بها القوى الأوروأطلسية للتدخل في المنطقة، زعماً عن "دفاعها" عن أوكرانيا. و هي المادة التي استندت إليها الولايات المتحدة من أجل تدخلها في أفغانستان أو لشن غاراتها الجوية ضد سوريا. و بناءاً على هذه المادة، غَزت تركيا سوريا واحتلت أراضٍ سورية، كما و استندت إليها أيضاً، روسيا عندما باشرت تدخلها العسكري في سوريا.
و من ناحية أخرى، تستشهد روسيا بما يسمى "ميثاق باريس لأوروبا الجديدة"، الذي أُبرم في خلجان منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1990، والذي ينص على أن "الأمن غير قابل للتجزئة و أن أمن كل دولة مشاركة هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن الدول الأخرى". كذلك ، ينص ميثاق منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن الأمن الأوروبي، الذي أقرَّ في اسطنبول (1999)، على أن الدول الموقعة "لن تعزز أمنها على حساب أمن الدول الأخرى". و بناءاً على ما سبق، تُطالب روسيا بأن يكون لها قولٌ في مسائل توسع الناتو نحو حدودها و في ماهية الأسلحة والقوى التي سينشرها الأخير في دوله الأعضاء، على سبيل المثال، في رومانيا وبولندا وبلغاريا و غيرها.
ينبغي علينا هنا، توضيح أن القانون الدولي بذاته، هو جزء من الحق البرجوازي. و لطالما كان الاتحاد السوفييتي موجوداً والبلدان الاشتراكية الأخرى، فقد كان هذا الحق يُصاغ كنتيجة لتناسب القوى القائم بين الرأسمالية والاشتراكية، و هو الذي كان لا يزال سلبياً، حيث كانت جرائم إمبريالية تُقترف حينها أيضاً. هذا و يتحدد القانون الدولي بعد إسقاط الاشتراكية بنحو حصري، باعتباره نتيجة لتناسب قوى قائم بين دول رأسمالية، و تجري رجعنته على نحو أبعد كما و استخدامه من قبل القوى الامبريالية وفق رغباتها و ضمن مزاحماتها على حساب الشعوب.
و عندما يندلع صدام في عصرنا، في عصر الرأسمالية الاحتكارية، أو عصر اﻹمبريالية بتعبير آخر، مضللٌ هو قيام نقاش حول من بدأ الصدام، أو حول من يحافظ على "القانون الدولي" الذي غدى أكثر رجعية و "مطاطية" لكي تتذرع به جميع القوى الامبريالية.
إن الجوهر الذي يجب أن يوضِّحه الشيوعيون، هو "الأرضية" التي تُخاض فوقها هذه الحرب، و هي ليست سوى مصالح الاحتكارات. إن الجوهر يكمن في ماهية القوى المتصادمة، و في المحتوى الطبقي المعين و مصالح هذه القوى. و هي مصالح غريبة عن مصالح الشعوب.
ما الذي يسعى له كل جانب
يزعم كثيرون أن القيادة الروسية تسعى إلى العودة إلى عام 1990، حيث وعدت الولايات المتحدة غورباتشوف بأنها لن توسع نطاق الناتو، لكنها لم تف بهذا الوعد. و يقولون أن روسيا تطالب اليوم بالعودة إلى عام 1990 وإلى الالتزامات القانونية بشأن أمنها. إن هذا النقاش في الواقع هو دون مضمون، إذا ما رأينا تاريخياً عدد الاتفاقيات الدولية التي تم توقيعها، و هي التي تعكس تناسب القوى لحظة إبرامها، ليجري تغييرها بعد بضع سنوات أو أحياناً، حتى بعد بضعة أشهر.
إن الجوهر إذن، متواجد في مكان آخر. فبعد استكمال إسقاط الاشتراكية وتفكيك الاتحاد السوفييتي، سعت الطبقة البرجوازية المتشكِّلة حديثًا في روسيا نحو تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي لسلطتها. و سَعَت في ذلك الوقت، بقيادة بوريس يلتسِن، إلى التخلص من "جبهاتها المفتوحة" مع الغرب. و على هذا النحو، "تَعامَت" عن العديد من تحركات القوى الأوروأطلسية التي روجت لمصالح احتكاراتها في منطقة أوروبا وأوراسيا. هذا و اكتملت منذ فترة طويلة هذه المرحلة من تطور الرأسمالية الروسية. و منذ عدة سنوات تسعى الطبقة البرجوازية الروسية إلى استعادة "الأراضي المفقودة" في مزاحمتها مع الاحتكارات الغربية وتحالفاتها الإمبريالية: الناتو والاتحاد الأوروبي. إن الظرف مؤآتٍ لذلك في وقت "يختمر" فيه خوض المعركة القادمة حول الصدارة في النظام الإمبريالي العالمي بين الولايات المتحدة - التي لا تزال أعتى قوة إمبريالية - و الصين، التي هي ثاني قوة في العالم الرأسمالي المعاصر.
وضعت البرجوازية الروسية في السنوات الأخيرة سلسلة من الخطط من أجل قيام التوحيد الرأسمالي على أراضي الاتحاد السوفييتي السابق، حيث لا تزال قوية هي العديد من السمات الثقافية المشتركة، وهناك أعداد كبيرة من السكان الروس و الناطقين بالروسية. و في كل حال، تم التأكيد مرات عديدة من جانب ألسنة روسية رسمية على أن أكبر أمة تم "تقسيمها" عبر حدود قومية هي اﻷمة الروسية. و بالتأكيد، فإن البرجوازية الروسية مهتمة بترسيخ مواقع احتكاراتها على أراضي الاتحاد السوفييتي السابق، ضمن الصراع الجاري حول ثروة الطاقة و طرق الشحن و حصص الأسواق. حيث يرتبط أمر توسيع حصصها في السوق بعملية التوحيد الرأسمالي الذي تروج له، كما يجري عبر منظمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي و منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وما شاكلها. هذا و لا تلعب بيلاروسيا وكازاخستان فحسب دوراً رئيسياً في هذه الخطط، بل تلعب أوكرانيا دوراً فيها، و هي التي يعتبر نصف سكانها على اﻷقل، ناطقاً بالروسية.
و مع ذلك، فقد تضاربت هذه الخطط مع خطط الاحتكارات الغربية والاتحادات الإمبريالية، التي تسعى إلى تقييد روسيا، التي يرونها قوة مزاحمة لهم في السوق الرأسمالية العالمية. و تمثلت إحدى الحلقات الموصوفة لهذا الصراع في أوكرانيا، التي تمتلك نسبياً قدرات إنتاجية صناعية متطورة نسبياً و مواد أولية و أراضٍ زراعية مهمة، وشبكة كبيرة من خطوط أنابيب الغاز.
و سُجِّل هناك في أوكرانيا خلال فترة 2014 -2015 انقسام للطبقة البرجوازية للبلاد. حيث قام جزء منها بانقلاب غير دستوري، و ذلك بتورط نشط من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وصل حتى استغلال التشكيلات الفاشية، مع إلغاء اندماج أوكرانيا في خطط توحيدها الرأسمالي مع روسيا. حيث قاد رد الفعل الذي أعقب ذلك، إلى انفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا، و إلى إلحاقها على الفور بالاتحاد الروسي، وكذلك إلى انفصال بعض المناطق الشرقية من أوكرانيا، التي أعلنت "استقلالها" و حيازتها لدعم روسيا.
تفرض الطبقة البرجوازية الحاكمة في أوكرانيا سلطتها الآن من خلال تعزيز القومية والعداء للشيوعية و العداء لروسيا. و في هذا الصدد، فهي لا ترفض فحسب الترويج لـ "اتفاقيات مينسك" الغامضة سلفاً، بل و أطلقت ملاحقات لا تستهدف الشيوعيين فقط – و هو الأمر الذي أدانه الحزب الشيوعي اليوناني بطرق مختلفة، حتى باستخدام منبر البرلمان الأوروبي – بل كانت قد طالت القوى السياسية البرجوازية التي تطعن بتوجهها السياسي العسكري نحو الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
سيكون من المنطقي أكثر إذن، أن نقول إن ما تسعى إليه الطبقة البرجوازية الروسية حالياً، ليس هو العودة ليس إلى عام 1990، بل إلى فترة 2014-2015، أي لفترة ما قبل الخروج عن المسار الدستوري في أوكرانيا، و لكن مع ترسيخ إلحاق شبه جزيرة القرم بالاتحاد الروسي. إنها تطالب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ﺒ"اللعب" في أوكرانيا دون ممارسة "الغش في اﻷوراق"، مهددة خلاف ذلك باتخاذ تدابير مضادة. ما هي هذه التدابير؟
صرَّح كورت فولكر، ممثل الولايات المتحدة في المفاوضات الخاصة بأوكرانيا لفترة 2017-2019، مؤخراً ضمن مقابلة له مع إحدى الصحف اليونانية، أن "من المحتمل أن تأخذ روسيا ثلث أوكرانيا" ، مقدِّراً أن أوكرانيا قد تفقد أي منفذ لها نحو بحر آزوف، مع تشكيل ممر بري يصل الاتحاد الروسي بشبه جزيرة القرم، و ذلك عدا الجسر الذي أنشئ حديثاً والذي يبلغ طوله حوالي 20 كلم في كيرتش.
وتجدر الإشارة إلى أن إلحاق شبه جزيرة القرم، لم يزد ببساطة مساحة الأراضي الروسية و عدد سكانها (أي السوق الداخلية الروسية بمقدار مليوني نسمة)، ولكنه أكسب الرأسمال الروسي مواقع هامة في منطقة البحر الأسود. حيث تقلصت مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة الأوكرانية في البحر الأسود وآزوف بمقدار ¾، مما أعطى الاحتكارات الروسية اليد العليا في استغلال الموارد الطبيعية وموارد الطاقة في المنطقة.
إننا لا نعلم ما إذا كان الوكيل الأمريكي قد أشار في تصريحه المذكور أعلاه إلى ما ستكون عليه الحدود الجديدة لأوكرانيا، أو ما إذا كان هذا اقتراحاً توافقياً من جانب الولايات المتحدة إلى روسيا فيما يتعلق بتقسيم أوكرانيا و هو الذي تُجهل ماهية مقايضاته، أم أن التصريحات كانت مجرد ممارسة ضغط على قيادة أوكرانيا الحالية، ومع ذلك، فإن ما نعرفه هو أن الحدود إجمالاً لا تتغير بأسلوب غير دموي و ذلك لأن دور بلدنا في هذه التطورات هو أمر بالغ الأهمية لشعبنا.
اليونان ضمن الصدام. المقترحات المأزقية بشأن الهندسة الجديدة و الوسيط
بمساعدة من حزبي سيريزا و حركة التغيير، جعلت حكومة حزب الجمهورية الجديدة البلاد "محوراً " لنقل القوى العسكرية الأمريكية وفي نفس الوقت قاعدة كبيرة للناتو و "نقطة انطلاق" لحروب إمبريالية جديدة، كتلك التي قد تندلع في أوكرانيا. و بالإضافة إلى ذلك، فهي تشارك بنشاط في خطط الناتو لتطويق روسيا في البلقان والبحر الأسود. و بهذه الأسلوب، تغدو اليونان من ناحية، "مُرتكباً" بحق شعوب أخرى، ومن ناحية أخرى، يحتمل أن تكون هي نفسها "ضحية" لهذه الحروب الإمبريالية، نظراً لتواجدها في مرمى إجراءات انتقامية محتملة.
يقوم حزبا الجمهورية الجديدة و سيريزا مع ارتدائهما "الغِمامات" الأطلسية، بإعادة تدوير ما يسمى بالمبادرات "السلمية" العقيمة. حيث يظهَرُ وزير خارجية حكومة حزب الجمهورية الجديدة، نيكوس ذِنذياس على أنه "وسيطٌ" و "ناقلٌ" لرسالة تخفيض للتصعيد. و يدعو بعض السياسيين الفاعلين، الحكومة إلى لعب دور ريادي و إلى إيداع " مقترحات توسطية من أجل التخفيف من التصعيد" أو من أجل "تدابير بناء الثقة"، بينما يقوم وزير خارجية سيريزا السابق يورغوس كاتروغالوس باجترار النقاش حول قيام "هندسة أمنية جديدة" سيكون لروسيا موقع ضمنها. إن كل هذا هو عبارة عن "ورقة توت" تسعى عبثاً إلى إخفاء واقعة الاستراتيجية المشتركة لحزبي (الجمهورية الجديدة و سيريزا) ضمن الخطط الخطيرة للطبقة البرجوازية اليونانية وحلفائها الأجانب.
إن هذه المقاربات المأزقية تحاول إخفاء الأمر الرئيسي، و هو أن الحرب هي "عنصر متأصل" في الرأسمالية وأنها "استمرار للسياسة بوسائل أخرى عنيفة" وأن من المستحيل وجود إمبريالية مؤيدة للسلم.
ما العمل
هناك أهمية كبيرة لتوجه الصراع العمالي الشعبي في بلدنا في ظروف الخطر الحقيقي المتمثل في تعميم الحرب الإمبريالية. يجب ألا تكون هناك أية ثقة في الحكومة والأحزاب البرجوازية الأخرى. يجب تقوية الإيمان بقوة الصراع الطبقي، و الصدام مع سياسات التورط وخطط الطبقة البرجوازية التي تدفع العمال إلى فخ دعم مشاركة اليونان في الحرب الإمبريالية، باسم "الإلتزامات التحالفية" في إطار الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي أو الحاجة المزعومة للدفاع عن "سيادة" أوكرانيا، أو عن ميثاق الأمم المتحدة، أو الدفاع عن"الديمقراطية" من "بوتين الاستبدادي".
و علاوة على ذلك، يجب على الحركة العمالية الشعبية أن ترفض معضلة الاختيار بين طرفي الصدام الإمبريالي. و ذلك حتى لو تم تمويهها أحياناً بالعقيدة الدينية للأرثوذكسية، أو بـ "معاداة الفاشية" التي تشكِّل في هذه الحالة ستاراً دخانياً.
كما و ليس بمنطق هو دعم الطرف "الأضعف" ضد "الأعتى". لقد كتب لينين في هذا الشأن: «فلنفترض أن أولى البلدان المسيطرة تحتل ¾ أفريقيا والثانية اﻠ ¼. إن المضمون الموضوعي لحربهما هو إعادة اقتسام أفريقيا. في نجاح أي طرف منهما يجب أن نأمل؟ إن طرح المشكلة كما سبق، هو عبارة عن سخف، و ذلك لعدم انطباق معايير التقييم القديمة مع اليوم: حيث ليس لدينا تطور طويل الأمد لحركة تحرر برجوازي، ولا عملية ممتدة لأعوام طويلة من انهيار الإقطاع. إن وظيفة الديمقراطية المعاصرة ليست متمثلة في مساعدة البلد الأول في تكريس "حقه" في ¾ أفريقيا، و لا في مساعدة الثاني (و حتى في حال تناميه الأسرع اقتصاديا أكثر من الأول) في انتزاع اﻠ ¾ هذه. حيث ستبقى الديمقراطية المعاصرة وفية لنفسها فقط إذا ما أحجمت عن الإنضمام لأية طبقة برجوازية إمبريالية، أي حينما يقول لسان حالها "كلاهما أسوأ من الآخر" و في الحال حيث يتمنى كل بلد فشل الطبقة البرجوازية الإمبريالية. إن أي حل آخر سوى ذلك، لن يكون عملياً شيئاً مختلفاً عن حل قومي ليبرالي لا يجمعه أي شيء مع الأممية الحقيقية....في الواقع، ومع ذلك، فالأمر الذي لا يمكن إنكاره، هو استحالة انجرار الديمقراطية المعاصرة كذيل للطبقة البرجوازية الرجعية الإمبريالية – و ذلك بمعزل عن"لون" هذه الطبقة البرجوازية ..[1]».
يجب على الحركة الشيوعية والعمالية في ظروف الإمبريالية، التي هي أعلى مراحل الرأسمالية، أن ترسم خطاً مستقلاً في كل مكان، بعيداً عن الخطط البرجوازية - الإمبريالية، وفق معيار مصالح الطبقة العاملة والشرائح الشعبية الأخرى، و هي التي لا تمت بصلة لمصالح الطبقات البرجوازية.
هذا ما يفعله الحزب الشيوعي اليوناني، إنه يدافع عن مصالح الطبقة العاملة والشرائح الشعبية و يعزز الصراع من أجل فك ارتباط اليونان عن الخطط الإمبريالية والحروب وتحالفات الناتو والاتحاد الأوروبي و عن استراتيجية التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
إنه خط الصدام مع أولئك الذين يقودون الشعب إلى "مسلخ" الحرب باسم ترقية مصالح الطبقة البرجوازية.
هو طريق القطيعة مع الرأسمالية، من أجل السلطة العمالية التي ستبني المجتمع الاشتراكي الشيوعي الجديد.
إليسيوس فاغيناس
عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني و مسؤول قسم علاقاتها اﻷممية
[1] ف. إ. لينين: تحت راية أجنبية. الأعمال الكاملة (باليونانية) المجلد 26 الصفحة140- 141- 146. إصدار دار "سينخروني إبوخي".