روابط المواقع القديمة للحزب
الفصل اﻷول
الواقع الدولي اليوم
1. احتدَم التناقض الأساسي بين رأس المال و العمل و عدم التكافؤ بين الدول الرأسمالية، في الفترة المنقضية منذ المؤتمر العشرين للحزب.
و تتوسع موضوعياً الفجوة بين الثروة المركزة في المجموعات اﻹقتصادية الكبيرة والفقر النسبي والمطلق الذي تعيشه غالبية العمال.
و بدلاً من أن تضفي الإمكانيات التكنولوجية الجديدة، التي تم تقديمها على أنها "الثورة الصناعية الرابعة" إلى تحرير العمال، و بدلاً من استخدامها لإرضاء الحاجات الاجتماعية الموسعة، فهي تغدو أداة في أيدي رأس المال لزيادة الاستغلال.
هذا و تؤكد سلسلة من المعطيات زيادة بعض مظاهر تطفل النظام (المخدرات، الدعارة، الجريمة، و غيرها).
و برزت خلال السنوات الماضية الآثار السلبية للتطور الرأسمالي على البيئة.
و عززت الصدامات الإمبريالية من تدفقات اللاجئين.
حيث تشهد كل هذه التطورات على أن الرأسمالية هي نظام عفا عليه الزمن تاريخياً، و تؤكد على أن عصرنا و الرغم من التناسب السلبي للقوى، هو عصر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية – الشيوعية.
إن تمظهر الأزمة الاقتصادية الدولية الجديدة العميقة والعجز الواضح لأنظمة الصحة العامة على مجابهة الوباء في المراكز الإمبريالية يسلط الضوء على تعفن النظام الرأسمالي و على تناقضاته الحادة، على الرغم من توسُّعه بعد غلبة الثورة المضادة في القرن العشرين .
و يبرهن كل من زيادة البطالة طويلة الأمد ودرجة استغلال الطبقة العاملة، و تعزيز نزعة الإفقار النسبي والمطلق، و العجز عن الاستفادة من الإمكانيات العلمية الحديثة لحماية صحة القوى الشعبية، و حاجاتها التعليمية وما شاكلها، على احتدام التناقض اﻷساسي بين رأس المال والعمل، وبنحو أعم على احتدام جميع التناقضات الاجتماعية.
و تتعزز المزاحمة فوق أرضية الأزمة الدولية الجديدة بين التحالفات الإمبريالية، ولكن أيضاً بين الدول الرأسمالية داخل هذه التحالفات، للسيطرة على الأسواق ومصادر الطاقة وطرق النقل اعتباراً من شرق المتوسط و أفريقياً و جنوب شرق آسيا حتى القطب الشمالي.
و اتضح في السنوات الماضية تراكم استياء يجري التعبير عنه في مرات كثيرة في اندلاع الغضب والاستياء الشعبيين حتى في دول رأسمالية عاتية. حيث يمكننا أن نسجل تعابير كهذه في الإضرابات والتحركات الجارية ضد سياسة ماكرون في فرنسا، والتظاهرات المتعلقة باغتيال فلويد في الولايات المتحدة. و بالتأكيد، يهيمن عليها التضليل والاندماج في مخططات الطبقة البرجوازية المتنافسة، بذات درجة غياب حزب شيوعي منظم و حركة عمالية ذات توجه طبقي. هذا و تمظهرت هذه المزاحمات أيضاً في اقتحام قوى محرضة من قبل دونالد ترامب لمبنى الكابيتول مؤخراً بواشنطن بسبب التداول الحكومي في الولايات المتحدة. إن ما يسمى بـ "العودة إلى الوضع الطبيعي" لن يواجه هذه المزاحمات، ناهيك عن المشاكل الحادة التي يعاني منها الشعب الأمريكي وشعوب العالم بأسره، بسبب سياسات جميع حكومات الجمهوريين و الديمقراطيين الأمريكية، المطبقة على مر الزمن. و على الرغم من ذلك، لا تنبغي اﻹستهانة بالتحركات الشعبية الجارية في سلسلة من الدول الرأسمالية كعناصر تكشف إمكانيات لتطوير الحركة العمالية والشعبية في المستقبل .
الأزمة الاقتصادية الدولية الجديدة
2. تمظهرت في عام 2020 الأزمة الاقتصادية الدولية الجديدة في تزامن نسبي، و بعمق أكبر بكثير من سابقتها المتمظهرة 2008-2009، هو العمق الأكبر بعد الحرب العالمية.
هذا و تُبرز مواجهة وباء الفيروس التاجي في التحليلات البرجوازية باعتبارها سبب اﻷزمة الرئيسي (مع تدابير الإغلاق العام أو المحدود) التي أدت فعلاً إلى انحسار حاد في أنشطة الإنتاج والنقل والأنشطة الاقتصادية الأخرى. لقد لعب الوباء بالطبع دوراً في توقيت الأزمة وعمقها، لكنه لم يكن سببها. لقد عمل بمثابة حفاز لها و كابح إضافي للاقتصاد العالمي الذي كان قد تباطئ سلفاً.
لقد أبرز التباطؤ الذي ظهر سلفاً عام 2019 الحجم الكبير لرأس المال المفرط في تراكمه، والذي لا يمكن إعادة رسملته واستثماره، بنحو يضمن نسبة ربح مُرضية.
و بنحو أعم، ضئيلٌ هو عدد الاقتصادات الرأسمالية التي انتقلت نحو مستوى نمو أعلى مما كان عليه قبل الأزمة في العقد الذي تلى الأزمة الدولية السابقة في 2008-2009.
و على الرغم من الاختلافات الجانبية للدول الرأسمالية في المواجهة المحددة للوباء، فهي تمتلك في كل مكان وصمة طبقية مناهضة للشعب. حيث تتحدد التدابير التقييدية المحددة لمواجهة الوباء (الإغلاق الكامل أو الجزئي)، والعواقب الاجتماعية والاقتصادية السلبية، من علاقات الإنتاج الرأسمالية.
و لا تشكِّل الحالة المؤسفة لأنظمة الصحة العامة (الافتقار إلى الرعاية الصحية الأولية الحكومية، مشاكل البنية التحتية، عدد وحدات العناية المركزة، نقص الطواقم، و غيرها في المستشفيات العامة)، كما و المشاكل الكبيرة الصحة في مجال وقاية و صحة و سلامة العمال، و الدرجة المتدنية لحماية العاملين الصحيين أنفسهم، ظواهر طبيعية غير قابلة التجنب، بل هي نتيجة للسياسة البرجوازية لدعم الربحية الرأسمالية. حيث يتسم مجموع الدول الرأسمالية بتعزيز تسليع خدمات الصحة والدواء.
حاولت السياسة البرجوازية عبثاً إيجاد "النسبة الذهبية" بين اتخاذ تدابير صحية صارمة ودعم انتعاش الاقتصاد الرأسمالي. حيث تتفاقم بالتوازي مع ذلك، المزاحمة بين المجموعات الاقتصادية والمراكز الإمبريالية في ما يخص السوق العالمية للقاحات والأدوية، وكذلك في سياق المواجهات الجيوسياسية..
تمظهرٌ غير متكافئ للأزمة واحتدامٌ للمزاحمات
3. يؤثر التمظهر غير المتكافئ للأزمة وعواقبها على تغيير تناسب القوى ويزيد من حدة التناقضات، على حد السواء بين التحالفات الإمبريالية والدول الرأسمالية كما وداخل الاتحاد الأوروبي و بوجه خاص داخل منطقة اليورو.
يتفاقم الصراع للسيطرة على الأسواق ومصادر الطاقة وطرق الشحن البحري للبضائع، اعتباراً من شرق المتوسط حتى بحر الصين الجنوبي. و تتعزز و تتوسع بؤر خطر نشوب حرب إمبريالية أشمل.
تظهر التطورات اليوم التعزيز الموضوعي لقدرة الصين على تهديد صدارة الولايات المتحدة في النظام الإمبريالي الدولي في السنوات القادمة. و ينطبع هذا الزخم أيضاً في انخفاض حصة الولايات المتحدة و في الزيادة الكبيرة لحصة الصين من الناتج العالمي في الفترة 2000-2020.
كما و ينطبع اتجاه تغير تناسب القوى على حساب الولايات المتحدة، في الزيادة الهائلة في العجز التجاري للولايات المتحدة في تجارتها البينية مع الصين (في الفترة 1985-2019).
تصاعدت فوق هذه اﻷرضية "الحرب التجارية" بين البلدين في العامين 2018-2019، حيث فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية متزايدة على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار، وفرضت الصين رسوماً جمركية على البضائع الأمريكية بقيمة 60 مليار دولار. تولي الولايات المتحدة أهمية كبيرة لهدف عدم خسارتها تفوقها على مستوى التكنولوجيا الجديدة وفي نفس الوقت للحد من توسع الصين في هذا القطاع، الذي لكان سيعزز في الوقت نفسه نفوذها السياسي في حال تحقيقه (على سبيل المثال، عبر تكثيف محاولتها لاستبعاد الصين من شبكات 5 G في أوروبا). و في الوقت نفسه، قامت حكومة الولايات المتحدة مستغلة أيضاً التخفيض الهائل في الضرائب على رأس المال، بتوجيه دعوة للشركات الاحتكارية الأمريكية للتكنولوجيا الجديدة الناشطة في الصين إلى مغادرتها أو للعودة لموطنها في الولايات المتحدة، بينما تحاول إحباط توسع الصين الجاري عبر "طريق الحرير" و استثماراتها في بلدان أخرى.
و كانت العقوبات المتخذة من الجانبين و محاولة تغيير سلسلة التوريد الدولية وتقليل الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الولايات المتحدة والصين قد أثرت سلباً على التجارة الدولية و أسهمت في تمظهر الأزمة الجديدة.
و بالتوازي يتم تعزيز الميول الحمائية، ليس فقط في الولايات المتحدة بل و أيضاً في الاتحاد الأوروبي، مع تحريض واضح من رئيسة مفوضيته أورسولا فون دير لاين، خاصة نحو دوله الأعضاء لحماية المجموعات الاقتصادية الأوروبية ذات الأهمية الاستراتيجية من محاولات عمليات استحواذ عدوانية ستجري من قبل مجموعات أجنبية.
و يُسجَّل تدهور في علاقات الولايات المتحدة بألمانيا مع فرض عقوبات تجارية من كلا الجانبين و احتدام الخلافات في طيف من المواضيع (التعاون الألماني في مجال الطاقة مع روسيا، مشاركة ألمانيا الصغيرة في إنفاق الناتو، الموقف تجاه إيران و غيرها). و بنحو أشمل، تزداد حدة مزاحمة الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة وبريطانيا. حيث ستؤدي اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى زيادة المزاحمة في القطاع المالي في أوروبا، لأنها تقتصر بشكل أساسي على حركة البضائع. و هي التي تعكس بالتوازي، الضغوط الممارسة للتوصل إلى توافقات من شأنها تعزيز المحور الأوروأطلسي، على نقيض من زخم الصين. حيث ستزداد هذه الضغوط بعد فوز الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية.
يغذي التحول في تناسب القوى الدولي لصالح الصين اتجاهات مضادة في إعادة تسخين العلاقات الأمريكية الألمانية وتعزيز تماسك التحالف الأوروأطلسي. و تشكل زيادة العقوبات الاقتصادية والضغط على روسيا، المتواجدة أيضاً في مرحلة أزمة رأسمالية، تعبيراً عن هذا الاتجاه. و تتمظهر أيضاً تعابير مختلفة في مسألة الموقف تجاه روسيا والصين داخل الاتحاد الأوروبي، مما يُصعِّب صياغة موقف واحد مستقر. ومع ذلك، تبرز الصين الآن بنحو موضوعي باعتبارها الشريك التجاري الأكثر أهمية للاتحاد الأوروبي، أمر تؤكده اتفاقية الاستثمار والتجارة الأخيرة المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والصين.
تمظهر الأزمة في الاتحاد الأوروبي
4. تتفاقم مزاحمات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بسبب تنافس مجموعاتها الاحتكارية و طبقاتها البرجوازية، نظراً ل:
أ) تأثير قانون التنمية غير المتكافئة على حد السواء داخل الاتحاد الأوروبي كما و تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان.
تعزيز موقع ألمانيا تجاه فرنسا وإيطاليا، الذي سُجِّل في المرحلة السابقة من التطور الرأسمالي غير المتكافئ و ازداد بنحو أكبر في مرحلة التمظهر غير المتكافئ للأزمة الجديدة وعواقبها على منطقة اليورو و الاتحاد الأوروبي إجمالاً. حيث تؤكد التغيرات في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات والإنتاجية هذا الاستنتاج.
ب) الاختلاف الموضوعي في وضع الميزانية العامة وفي مشاكل إدارة الدين والعجز السنوي، والتي تدعى لمواجهتها الحكومات البرجوازية في الدول الأعضاء من أجل ضمان دعم مرضٍ لمجموعاتها الاحتكارية في مرحلة الأزمة.
حيث يجري أولاً اختبار قدرة ألمانيا على تحمل العبء الأكبر للاقتراض المشترك للاتحاد الأوروبي دون أن تفقد قوتها الاقتصادية، و ثانياً اختبار الإمكانات المحدودة للغاية لإيطاليا وغيرها من البلدان المثقلة بالديون لتحمل عبء القروض الجديدة في ترابط مع تدهور شروط تنافسيتها داخل الاتحاد الأوروبي.
ج) الحلول البديلة التي يلدها تحول تناسب القوى الدولي الآن (صعود الصين الزاخم، احتدام العلاقات بين الولايات المتحدة وألمانيا، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، و غيرها) بالنسبة للحكومات البرجوازية. حيث تقوم طبقات برجوازية لبلدان كإيطاليا، التي تجد أنها تجني فوائد أقل نسبياً عبر مشاركتها في سوق الاتحاد الأوروبي الموحد و في اليورو، بدراسة إجراء تغييرات في تراتبية تحالفاتها الدولية.
إن جملة العوامل الموضوعية المذكورة أعلاه، والتي تعزز القوى النابذة في منطقة اليورو، لا تلغي الفوائد الحالية التي لا تزال الطبقات البرجوازية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تستمدها من سوق الاتحاد الأوروبي الكبير ضمن المزاحمة الدولية مع مراكز امبريالية أخرى.
5. إن هذه التناقضية التي تميز بنحو موضوعي مسار منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي، تنعكس أيضاً في قرارات مفوضيته. لقد قرر الاتحاد الأوروبي، لأول مرة المضي قدماً في اقتراض مشترك لدعم خطط تدخل واسع للدولة من أجل إنعاش الاقتصاد الرأسمالي في جميع الدول الأعضاء من خلال إنشاء صندوق الإنعاش الأوروبي كما و قرر تعليق تنفيذ ميثاق الاستقرار للفترة 2020-2021 مع تقديمه ليس فقط للقروض بل و أيضاً للمنح إلى دوله الأعضاء.
و بالتوازي مع ذلك، يتبع البنك المركزي الأوروبي سياسة متساهلة ويدعم المجموعات المصرفية ببرنامج "تيسير كمي" ضخم. هذا و سوف يتم اختبار تحمل التوافق المسجل في اجتماع القمة من خلال التباين المتزايد في مصالح الطبقات البرجوازية لدول الاتحاد الأوروبي الاعضاء. و بنحو خاص يُبرِز التباين المتزايد بين ألمانيا و إيطاليا مشكلة التماسك الموضوعية الحاضرة في النواة الصلبة لمنطقة اليورو. إن الاتفاق المؤقت بشأن الإقراض الأرخص للدول الأعضاء المثقلة بالديون والأضعف اقتصادياً لا يلغي العوامل الموضوعية لعدم التكافؤ، ولكنه يحد مؤقتاً من الوتائر النابذة في منطقة اليورو. و كانت المانيا حتى اندلاع الأزمة ترفض بثبات المقترحات الخاصة بتيسير جوهري للسياسة المالية والنقدية التقييدية، متذرعة بالمخاطر على استقرار اليورو وموثوقيته كعملة احتياطية دولية. و كان رفضها أكثر شدة لأي اقتراح بشان إقتراض مشترك و "تبادلية الديون" وتقديم إعانات للدول الأعضاء المثقلة بالديون.
لقد جرى التعديل النسبي للموقف الألماني (الذي سمح بقيام توافق في قمة الاتحاد الأوروبي) بنحو رئيسي لتجنب هزة جديدة في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه. لقد جرى لتجنب حدوث هزة في تماسك منطقة اليورو نفسها وفي زخم اليورو، ما دام حدوث أمر كهذا لكان ذي تأثير سلبي مباشر على قوة اقتصاد ألمانيا و صادراتها. و في الوقت نفسه، استخدمت ألمانيا ضغط تحالف "الدول البخيلة" لتحجيم اقتراح المنحة الأولي نحو الدول الأعضاء، و بنحو رئيسي، لفرض شروطها على الخطوات التالية من أجل التوحيد الاقتصادي والسياسي للاتحاد الأوروبي.
6. إن قرار الاتحاد الأوروبي المضي قدماً و لأول مرة في اقتراض مشترك لتقديم منح للدول الأعضاء، يشكل خطوة نحو تعميق توحيد الاتحاد الأوروبي.
و في هذا اﻹطار مُدمَّجة هي اتفاقية إنشاء صندوق الإنعاش الأوروبي.
و يجري إبراز فرنسا و "تحالف دول الجنوب" سلفاً على أنه خطوة تاريخية تقدمية في مواجهة المواقف الرجعية لـ "تحالف بخلاء الشمال". و تبرز ألمانيا التوافق بمثابة تعديل مؤقت لمواجهة حالة طوارئ كبرى، و أنه لا يشكل تغييراً جذرياً في المسار.
و في كل حال، فإننا بصدد مسار في اتجاه رجعي. إن كل خطوة تعزز تماسك التحالف الإمبريالي تقوي خصم العمال الفعلي، أي دكتاتورية رأس المال. إن تعميق توحيد الاتحاد الأوروبي يعني تقوية الآليات الموحدة لتنفيذ توجهات رجعية موحدة على حساب الشعوب.
هذا و تعزز إجراءات الموافقة على المدفوعات بموجب كل من صندوق التعافي الأوروبي والإطار المالي متعدد السنوات (ميزانية الاتحاد الأوروبي لمدة سبع سنوات) آليات الإشراف والضغط من أجل الامتثال الكامل للدول الأعضاء مع توجهات الاتحاد الأوروبي. حيث سيتضاعف الإشراف على الدول الأعضاء المثقلة بالديون مثل اليونان. و ستضاف آلية للتقييم المستمر لبرنامج الإصلاحات والالتزامات إلى جهاز"النصف عام الأوروبي". و هي التي ستحرر أو تجمد أموال الإعانات سيئة السمعة.
الإدارة البرجوازية للأزمة الجديدة
7. تقوم الأركان البرجوازية في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان بتدخل من جانب الدولة من أجل إسناد انتعاش الاقتصاد الرأسمالي، باستخدام مقترحات الكينزية. إنها تنتهج سياسة مالية توسعية، أي سياسة زيادة في الإنفاق الحكومي، بنحو رئيسي من أجل التعزيز الفوري للمجموعات الاقتصادية، ولكن أيضاً لمحاولة "التخفيف" مؤقتاً من العواقب الأكثر حدة للأزمة على القوى الشعبية. و يترافق هذا مع تسامح مع نمو الدين الحكومي، أي أنه مصحوب بسياسة مالية أكثر تساهلاً.
و تؤكد الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية على الحاجة إلى عودة ثابتة إلى معظم إملاءات الادارة الكينزية، والتي تُقدَّم على أنها ردٌ تقدمي مؤيد للشعب على النيوليبرالية، التي تقوم بتحميلها المسوؤلية عن الأزمة في كل اﻷحوال.
إن الحقيقة هي أولاً في أن أزمات اقتصادية رأسمالية كانت قد تمظهرت فوق أرضية الإدارة من النمط الكينزي في النصف الثاني من القرن العشرين، و ثانياً، في أن بعض المقترحات الكينزية التوسعية والتوجهات التيسيرية للسياسة النقدية لم تكن قد اختفت من خليطة الإدارة البرجوازية السابقة.
و بعد الأزمة الدولية في 2008-2009، و بنحو أكثر بكثير بعد انتهاج بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سياسة "التيسير الكمي" لدعم المجموعات المصرفية. مُنحت الإمكانية لحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإصدار سندات تم شراؤها من قبل مجموعات البنوك، حيث امتصت جوهرياً أموالاً مقترضة من البنك المركزي الأوروبي بسعر فائدة مؤاتٍ للغاية.
ثم جاء إلى المشهد اقتراح "الصفقة الخضراء الجديدة". الذي طُرح في البداية عام 2019 باعتباره قراراً في الكونغرس الأمريكي من قبل "الجناح اليساري للديمقراطيين". و بالتوازي معه أطلقت المفوضية الأوروبية "الاتفاقية الخضراء الجديدة" باسم حماية البيئة والصحة العامة، من أجل تشكيل منفذ استثماري مؤقت مربح لرأس المال المفرط في تراكمه. و في جوهره، يضمن هذا الاقتراح قيام تدخل كبير من جانب الدولة، أولاً بصياغة حوافز لتمويل الاستثمارات الجديدة في مجالات الطاقة والنقل والصناعات التحويلية والقطاع الزراعي في ترابط مع التحديث الرقمي للاقتصاد، و ثانياً عبر التخفيض المنضبط لقيمة رأس المال (مثل إغلاق محطات الليغنيت، وسحب السيارات التقليدية، وتغيير شبكات الطاقة).
إن السياسة المالية التوسعية و تدخل الدولة اﻷكبر يحملان العبء على كاهل الشعب مرة أخرى بأسلوب مختلف. حيث سيدعى الشعب لسداد القروض الجديدة و لتحمل أوزار الشركات الخاصة الخاسرة في حال استملاكها المؤقت أو الجزئي من قبل الدولة أو في حال العكس أي عند خصخصة أو تقليص مشاركة الدولة مع تحميل اﻷعباء على القطاع العام.
و يجري باسم "حماية التشغيل" تعزيز سياسة القوة العاملة الأرخص من خلال تحويل عقود العمل بدوام كامل إلى العمل بدوام جزئي أو متناوب، وتخفيض وقت العمل و تخفيض الأجور وزيادة مطاطيته مما يجلب تشديداً لوتيرة العمل و زيادة في درجة استغلاله.
و في نفس السياق، تتوسع إمكانية تنفيذ من جانب واحد لإطار العمل عن بعد المناهض للعمال، و الذي يلغي عملياً الفصل بين الوقت الحر و وقت العمل.
إن التدابير الجديدة المناهضة للعمال، التي تقلص الأجور جوهرياً، تسهل تسريح العمال، وتهدم حقوق الضمان، و تُقدَّم على أنها مؤقتة في البداية ثم يتم تثبيتها. وهكذا، ترسخ سياسة المردودية الكاملة وتعزيز "الركيزة الخاصة" في نظام التأمين.
إن سياسة التكيف مع المستوى الجديد للإنتاجية دون تحسين شامل في دخل العمل وإدارة الفقر المدقع، أي ألا تتضخم البطالة أكثر من اللازم، و ألا ينهار مستوى أساسي معين للاستهلاك الجماهيري، لا يشكل اقتراحاً تقدمياً لضمان "التوزيع العادل للثروة" كما يزعم العديد من الاشتراكيين الديمقراطيين، بل هو شرط ضروري لتأمين الربحية الرأسمالية و إعادة إنعاشها.
و في الوقت نفسه، يتزايد عدد العاطلين عن العمل لفترات طويلة في القطاعات المتأثرة بالتحول "الأخضر" (مثل إغلاق محطات توليد الطاقة بالليغنيت) و يُنقل عبء إعادة تدريب و تأهيل العمال إلى كاهل الأسرة الشعبية.
هذا و تشمل "جنة النمو الأخضر" الجديدة المعروضة كهرباء باهظة الثمن، و علاقات عمل مرنة، و قوة عمل رخيصة وأعباء جديدة على الأسر الشعبية لشراء السيارات والأجهزة "الخضراء"، والضرائب"الخضراء" غير المباشرة، و سحب دم الشعب بنحو أعم من أجل دعم الدولة للاستثمارات "الخضراء" الجديدة للمجموعات الاقتصادية. و بالتوازي مع ذلك تؤدي استثمارات ما يسمى بالتنمية "الخضراء" إلى تدهور بيئي واسع النطاق في مناطق ناتورا و في مناطق محمية و جبال جميع أنحاء البلاد، مما يؤدي إلى تدهور الاقتصادات المحلية وحياة الطبقة العاملة و القوى الشعبية.
و في الخلاصة، يتم الترويج لأشكال مختلفة لزيادة درجة استغلال الطبقة العاملة، من أجل تطوير حوافز و امكانيات لاستثمارات رأسمالية جديدة ومربحة بذريعة التغير المناخي.
8.لا يمكن لأي اقتراح إدارة برجوازية، كينزي أم نيوليبرالي، أن يُبطل ويلغي حتميات الإنتاج الرأسمالي، و فوضاه و عدم تكافؤه، و التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج و الاستحواذ الفردي الرأسمالي على نتائجه.
تولد الأزمة من التناقض المتواجد في نواة وظيفة النظام الاستغلالي الرأسمالي، في مجال الإنتاج الرأسمالي: حيث يجعل الطابع البضاعي المتناقض المعمم للإنتاج الرأسمالي من ظهور الأزمة الرأسمالية في أبعادها المعاصرة، أمراً لا مفر منه.
و تقود وظيفة الإنتاج بغرض وحافز زيادة رأس المال بنحو دوري إلى تراكمه المفرط الذي يصبح عقبة أمام إعادة استثماره بمعدل ربح مُرضٍ.
و لا يمكن لمقترحات الإدارة البرجوازية، كتلك الخاصة بالكينزية وما يسمى ب "السياسة الاقتصادية لمواجهة التقلبات الدورية" بنحو أشمل، سوى تأجيل وقت ظهورالأزمة والتدخل مؤقتاً في درجة تخفيض قيمة رأس المال، مما يؤدي نحو أزمة أعمق في المستقبل.
إن أي تدخل من جانب الدولة من أجل إبطاء مؤقت لتخفيض شامل وغير منضبط لقيمة رأس المال، وأي خطة للدولة من أجل تعزيز ربحية المجموعات الاحتكارية في قطاعات معينة، تخلق المقدمات لتمظهر لاحق لأزمة فرط تراكم رأسمالي جديدة وعميقة. و بالتوازي مع ذلك، تقود الاختلافات الكبيرة في تدخل الدولة من جانب الحكومات البرجوازية إلى تفاقم عدم التكافؤ والمزاحمة داخل كل تحالف إمبريالي وبين التحالفات الإمبريالية.
إن الاتجاه العام لزيادة التركيبة العضوية لرأس المال وانخفاض معدل الربح ضمن "الانتقال إلى الثورة الصناعية الرابعة" يخلق أرضية مواتية لأزمة فرط تراكم جديدة أعمق كنتيجة للنمو الرأسمالي.
و من حيث الجوهر، تحاول الإدارة البرجوازية عبثاً مجابهة التناقضات المتأصلة في النظام الرأسمالي و التي تتعاظم. و يتحول دواء مشكلة "المريض الكبير" إلى سم لمشكلة أخرى. حيث يقوض "دواء" زيادة الأجور من أجل تحفيز الاستهلاك الشعبي زيادة درجة الاستغلال من أجل تثبيط الاتجاه التنازلي في معدل الربح الرأسمالي. و على العكس، يقوض تخفيض الرواتب بيع جميع البضائع بربح كافٍ لتحقيق فائض القيمة.
إن إمكانية تدخل الدولة بنحو كبير مع الزيادة المستمرة في الدين العام والخاص ليست دون حدود، خاصة في الظروف التي تشتد فيها المزاحمة وتحتدم التناقضات بين المراكز الإمبريالية. حيث تستبعد أحدث توقعات المنظمات الإمبريالية الدولية (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، صندوق النقد الدولي، و غيرها) العودة إلى مستويات ما قبل الأزمة في الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة في العامين المقبلين.
و يقود تمظهر الأزمة إلى تخفيض قيمة جزء من رأس المال و تدميره و إلى إعطاء دفعة جديدة مؤقتة للنظام لموصلة المراكمة ديناميكياً، لكن التاريخ يثبت أن هذا لا يتم دائماً دون قسر، دون المطالبة بقيام اقتسام جديد للسوق العالمية عبر العنف الحربي.