روابط المواقع القديمة للحزب

إن الصفحات الأممية للحزب الشيوعي اليوناني تنتقل تدريجياً إلى صيغة موقع جديد. بإمكانكم الوصول إلى النسخات السابقة للصفحات المحدثة سلفاً  و محتواها عبر الروابط التاليةَ:

 

مقال لقسم العلاقات الأممية للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني

عن تشكيل و نشاط و تفكيك الأممية الشيوعية تحت ضوء الواجبات الحالية للحركة الشيوعية الأممية

 

نُشر في صحيفة الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية في 18 كانون اﻷول\ديسمبر 2020 مقالٌ للصحافي والفيلسوف الروسي فيكتور تروشكوف، بشأن تأسيس ونشاط الأممية الشيوعية، بعنوان "هل بالغنا في تقدير القوى، حين تشكيل اﻷممية؟".

هذا و يسجِّل كاتب المقال، مستنداً إلى مذكرات القائد الشيوعي غيورغي ديميتروف، أن هذه العبارة تعود إلى يوسف ستالين، و أن الكاتب يُعيد طرحها بصيغة سؤال. و يقدم المقال لمحة موجزة عن قرارات مهمة للأممية الشيوعية، و من بين أمور أخرى تجري اﻹشادة بتوجُّه إقامة الجبهات الشعبية، بينما تُبذل محاولة لتبرير قرار الأممية الشيوعية تفكيكها الذاتي. حيث يجري التبرير بحجة أساسية قائلة بأن "من غير الممكن قيادة للحركة الشيوعية العالمية من قبل مركز واحد". و في الوقت نفسه، يعتبر إنشاء الكومينفورم لتبادل المعلومات بين الأحزاب الشيوعية أمراً إيجابياً و يقدر أن كِلا المؤتمرات الأممية للأحزاب الشيوعية في الثمانينيات التي أقيمت بمبادرة الحزب الشيوعي السوفييتي، و اللقاءات السنوية للأحزاب الشيوعية و العمالية التي بدأت بمبادرة من الحزب الشيوعي اليوناني، لم تستطع سد فراغ المعلومات هذا.

بادئ ذي بدء، يجب أن ننظر بإيجابية لواقعة محاولة فحص مسائل جادة لتاريخ الحركة الشيوعية الأممية واستخلاص استنتاجات من أجل الصراع الحالي. و في الوقت نفسه، يجب أن نسجِّل أن حزبنا و من خلال دراسة المسار التاريخي المحدد للأممية الشيوعية، توصل إلى بعض الاستنتاجات المختلفة مقارنة بتلك التي توصل إليها كاتب المقال.

ارتباط المسار التاريخي للحزب الشيوعي اليوناني باﻷممية الشيوعية

على رفاقنا في البلدان الأخرى أن يعلموا أن الحزب الشيوعي اليوناني قد تأسس، على أنه حزب اليونان العمالي الاشتراكي (ح.ي.ع.إ) تحت إشعاع ثورة أكتوبر و أعلن في مؤتمره التأسيسي (17-23 تشرين الثاني\نوفمبر 1918) أنه "يعلن نفسه فرعاً للأممية متحداً و مرتبطاً مع أحزاب جميع البلدان، المناضلة من أجل إسقاط الرأسمالية الدولية وانتصار الاشتراكية الأممية". و خلال انعقاد المجلس الوطني الأول لحزب اليونان العمالي الاشتراكي (31 أيار\مايو - 5 حزيران\يونيو 1919) تبرء الحزب من الخط الانتهازي للأممية الثانية و أصدر أمراً نحو لجنته المركزية ببدء التحضير لانضمامه إلى الأممية الشيوعية.و كان من أوائل آلاف شهداء حزبنا الذين سقطوا من أجل قضية السلطة العمالية، ذيموسثينيس ليغذوبولوس و أوريون ألِكساكيس، الذين اغتيلا في طريق عودتهما إلى اليونان من موسكو، حيث شاركا في المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية. هذا و كان المؤتمر اﻠ3 الاستثنائي لحزب اليونان العمالي الاشتراكي (الشيوعي) (26 تشرين الثاني\نوفمبر – 3 كانون اﻷول\ ديسمبر 1924) قد أعلن القبول الصريح بقرارات اﻷممية الشيوعية و الاتحاد البلقاني الشيوعي و إعادة تسمية الحزب إلى الحزب الشيوعي اليوناني (الفرع اليوناني للأممية الشيوعية) التي بقي فرعاً لها حتى تفكيكها عام 1943.

و كان لقرارات الأممية الشيوعية تأثير محفز على مسار حزبنا و نشاطه. وهكذا، حين تقييم حزبنا لنشاط الحزب الشيوعي اليوناني، فقد درس بموضوعية نشاط الأممية الشيوعية. و أجرى حزبنا حين دراسته لتاريخه، نقاشاً حزبياً داخلياً غنياً، خَلُص بانعقاد مؤتمر موضوعاتي على المستوى الوطني حول تاريخ الحزب عام 2018، حيث جرى إقرار أربعة مجلدات تاريخ تغطي الفترة الممتدة منذ تأسيسه عام 1918 إلى عام 1949 الذي يمثل عام نهاية الملحمة البطولية لجيش اليونان الديمقراطي، أي نهاية الصراع الذي زعزع أسس السلطة البرجوازية في اليونان، لكنه لم يستطع إسقاطها.

و من سوء الحظ، لم تتم ترجمة مجلدات تاريخ الحزب إلى لغات أخرى، و على الرغم من ذلك، يجري اليوم تقديم التقييمات الأساسية للمجلدات حول مسائل الأممية الشيوعية في "بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني بمناسبة انقضاء 100 عام على تأسيس الأممية الشيوعية" (شباط\فبراير 2019) والذي تُرجم إلى العديد من اللغات. و اليوم، و بمناسبة النقاش الجاري حول مقال "البرافدا"، نريد التذكير ببعض الواجبات و دراسة غيرها، التي يروَّ ج لها من قبل أحزاب شيوعية و عمالية على المستوى الأممي.

إسهام اﻷممية الشيوعية والفحص النقدي لمسارها

بادئ ذي بدء، يجب أن نسجِّل أن الحزب الشيوعي اليوناني فيما يخص اﻷممية الشيوعية: "يعترف بإسهامها في الحركة اﻷممية العمالية و الشيوعية، مع تأكيده في ذات الوقت على ضرورة استنباط الدروس من الخبرة المتراكمة من نشاطها. إن اﻷممية الشيوعية هي وليدة انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا (1917)، و أتت لتتجاوب مع حاجة تنسيق و وحدة الحركة العمالية الثورية الأممية. حيث هامٌ كان عطاء اﻷممية الشيوعية في دعم وتعزيز الأحزاب الشيوعية على مستوى العالم، و تضامنها اﻷممي المتفاني مع الشعوب المناضلة والمُضطهَدة، كالتضامن الذي منحته عبر تشكيل "الألوية الأممية" إلى جانب الجيش الجمهوري الإسباني (19361938). كانت جوانب نشاط اﻷممية الشيوعية متمثلة أيضاً في تقديم المساعدة المتعددة الأوجه للمناضلين المُضطهَدين في جميع أنحاء العالم، و في نشاطها في مجال النشر - التثقيف، وتنظيم مدارس إعداد الكوادر عبر النظرية الثورية الماركسية - اللينينية، و توظيف شبكات معلومات سياسية و إعلام صحفي.

إن المشاكل و التناقضات المتواجدة في استراتيجية الأممية الشيوعية التي أثرت سلباً على جميع الأحزاب الشيوعية -اﻷعضاء فيها- لا تنفي عطائها المقدَّم للحركة الشيوعية الأممية. حيث ثمينان اليوم، هما إرث الأممية الشيوعية و دراسة خبرتها، من أجل إعادة تنظيم الحركة الشيوعية الأممية، و من أجل صياغة استراتيجية ثورية موحدة ضد السلطة الرأسمالية".

و في ذات الوقت يقيِّم الحزب الشيوعي اليوناني بنحو نقدي سلسلة قرارات للأممية الشيوعية، مثل" مسار تناوب متناقض في المواقف تجاه الاشتراكية الديمقراطية أضعف تدريجياً من الجبهة المقامة ضدها، على الرغم من أن هذه الأخيرة كانت قد شكلت و بوضوح قوة سياسية للثورة المضادة و للسلطة البرجوازية. حيث تعززت على هذا النحو، مواقف انتهازية يمينية في صفوف أحزاب الأممية الشيوعية".

و يُمارس حزبنا نقداً لبرنامج اﻷممية الشيوعية (المؤتمر اﻠ6) الذي حدَّد ثلاثة نماذج رئيسية من الثورات في الصراع من أجل دكتاتورية البروليتاريا العالمية، وفق معيار موقع كل بلد رأسمالي في النظام الإمبريالي الدولي. و يُسجِّل الحزب أن هذا اﻷسلوب "قلَّل من شأن السمة الدولية لعصر الرأسمالية الاحتكارية و من واقعة احتدام التناقض الأساسي بين رأس المال والعمل. حتى أن تحليل اﻷممية الشيوعية لم يكن موجهاً من الواقعة الموضوعية لاستحالة إلغاء التطور الغير متكافئ للاقتصادات الرأسمالية و العلاقات غير المتكافئة بين الدول، فوق أرضية الرأسمالية. و في نهاية المطاف، فإن طابع الثورة في كل بلد رأسمالي ُيحدد بشكل موضوعي من التناقض الأساسي الذي تُدعى لحلِّه، بمعزل عن التحول النسبي لموقع كل بلد في النظام الإمبريالي الدولي. حيث ينبثق الطابع الاشتراكي للثورة و مهامها المترتبة، من احتدام التناقض الأساسي بين رأس المال - العمل في كل بلد رأسمالي، في عصر الرأسمالية الاحتكارية.

و جرى التقليل من شأن سمة العصر باعتباره عصر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية و من قدرة علاقات الإنتاج الاشتراكية على إعطاء دفع كبير لتطوير قوى الإنتاج و تحريرها، كما ثبت في الاتحاد السوفييتي.

و عن خطأ اعتبرت الإمبريالية شكلاً للسياسة الخارجية العنيفة لبعض – أعتى - الدول، في حين تضمَّن النظام الإمبريالي عشرات البلدان (كانت الرأسمالية الاحتكارية قد تشكلت أيضاً في الصين، كما و أيضا في البرازيل). وفي الوقت نفسه، لم يأخذ توصيف هذه البلدان في اعتباره، واقعة تشابك المصالح بين الطبقة البرجوازية الأجنبية والمحلية.

و كانت مشكلة رئيسية أخرى تكمن في تصنيف قوى اجتماعية وسياسية برجوازية متواجدة سلفاًُ في السلطة، ضمن العملية الثورية كما كان الحال في تركيا، و حال الطبقة البرجوازية للمغرب، و سوريا، و غيرها".

و يقيِّم الحزب الشيوعي اليوناني بنحو ناقد قرارات المؤتمر اﻠ7 للأممية الشيوعية المتعلق بتغيير تعريف الفاشية و بتشكيل الجبهات الشعبية: "باعتبارها تعاوناً سياسياً للأحزاب الشيوعية مع الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية و مع غيرها من الأحزاب البرجوازية والتيارات الانتهازية و أنها شاركت أو دعمت حكومات لم تشكك بالسلطة الرأسمالية. حيث يُسجِّل حزبنا أن هذه التوجهات خلقت "أوهاماً و روح مصالحة، و التباسات و إيهاناً للجبهة الإيديولوجية والسياسية ضد الاشتراكية الديمقراطية والانتهازية".

و بنحو ناقد نقيِّم واقعة:"تبديل الأممية الشيوعية موقفها حول طابع الحرب، بعد غزو ألمانيا الفاشية للاتحاد السوفييتي، حيث عرَّفتها بأنه مناهضة الفاشية وحدَّدت أن "... الضربة الرئيسية الآن تنعطف ضد الفاشية ..." وأننا "في المرحلة الحالية لن ندعو لإسقاط الرأسمالية في مختلف البلدان، ولا إلى الثورة العالمية (...) و في هذا النضال لا ينبغي أن نُبعد ذاك القطاع من البرجوازية الصغيرة، والمثقفين والفلاحين، الذي يقف علناً في صالح حركة التحرير الوطني. بل على العكس، يجب علينا كسب هؤلاء كحلفاء و أن ينضوي الشيوعيون ضمن هذه الحركة باعتبارهم نواة قيادة".

إن هذا الموقف قلل من قيمة أن طابع الحرب يتحدد من ماهية الطبقة التي تشن الحرب ومن غرض حربها، أسواء كانت في البداية و حاليا مدافعة أو مهاجِمة. لقد تم فصل الصراع ضد الفاشية ومن أجل التحرر من الاحتلال الأجنبي و من أجل الحقوق والحريات الديمقراطية، عن الصراع ضد رأس المال.

تأثرت التناقضات المتمظهرة في خط اﻷممية الشيوعية فيما يخص طابع الحرب العالمية الثانية، أيضاً بمساعي السياسة الخارجية للإتحاد السوفييتي و محاولة حمايته من الحرب الإمبريالية. و مع ذلك و في أي حال، فإن ضرورات السياسة الخارجية لدولة اشتراكية ما، لا يمكن أن تحل مكان ضرورة الاستراتيجية الثورية لكل بلد رأسمالي. و في التحليل النهائي، فإن الضمان النهائي لدولة اشتراكية يُحسم من الانتصار العالمي للاشتراكية أو من سيطرتها في مجموعة قوية من البلدان، وبالتالي، من الصراع من أجل الثورة في كل بلد.

عن التفكك الذاتي للأممية الشيوعية

يرى حزبنا أن "قرار التفكيك الذاتي للأممية الشيوعية أتى في تعارض تام مع المبادئ التي خدمت تأسيسها. و كان في تعارض مع روح ونص البيان الشيوعي، و مع مبدأ اﻷممية البروليتارية، و ضرورة وجود استراتيجية ثورية موحدة للأحزاب الشيوعية ضد الإمبريالية الدولية، في جميع الظروف".

و يُسجِّل البحث الاستقرائي التاريخي للحزب الشيوعي اليوناني ما كتبه القائد الشيوعي الأمريكي والمؤرخ، ويليام فوستر: "من الموصوف هو اتخاذ هذا القرار التاريخي في اللحظة الحاسمة من النضال من أجل فتح الجبهة الثانية. كانت هذه الجبهة ضرورية للغاية لتحقيق نصر سريع وحاسم، لكن القوى الرجعية في الغرب (التي كانت أيضاً تصدِّق أكاذيب غوبلز حول الأممية الشيوعية) عارضت فتحها. و مما لا شك فيه أن الانطباع الإيجابي الذي تركه تفكيك الأممية الشيوعية في العالم البرجوازي بأسره، قد ساهم بدرجة حاسمة في القضاء على المعارضة المذكورة. و بعد بضعة أشهر فقط (تشرين الثاني\نوفمبر – كانون اﻷول\ديسمبر 1943) انعقد مؤتمر طهران الشهير، حيث تم أخيراً تحديد الموعد النهائي لفتح الجبهة الثانية".

و يسجِّل البحث: "بالطبع، إن الأسباب التي أدت إلى التفكيك الذاتي للأممية الشيوعية تحتاج إلى مزيد من الدراسة، في ترابط مع دراسة التجربة الإجمالية التي يمنحها مسار الأممية الشيوعية. ومع ذلك ، يمكن إجراء بعض التقديرات واستخلاص استنتاجات.

لم يشكل قرار تفكيك الأممية الذي اتخذ خلال تطور الحرب و ذروتها، خطوة دفع للصراع العمالي الشعبي ضد الفاشية، في ترابط مع شن حرب على الرحم الذي ولد الفاشية، أي على الرأسمالية. هذا و كان القرار في تعارض تام مع المبادئ التي استند عليها تأسيس الأممية الأولى، والتي تشكلت بينما لم تكن هناك أحزاب شيوعية موجودة حينها. كان في تعارض مع روح ونص بيان الحزب الشيوعي، ومبدأ الأممية البروليتارية، ولكنه كان مخالفاً أيضاً للأسباب التي من أجلها تشكلت الأممية الشيوعية ذاتها. و وفق لينين: "تضطلع الأممية الثالثة بمهمة تنظيم قوى البروليتاريا للهجوم الثوري على الحكومات الرأسمالية، من أجل شن الحرب الأهلية ضد برجوازية جميع البلدان من أجل السلطة السياسية، من أجل انتصار الاشتراكية![1]".

و أضعف قرار التفكيك الذاتي للأممية الشيوعية فوراً و على المدى المتوسط و الطويل القوى الثورية، وبالطبع لم يشكل تدبير دفاعٍ عن الاتحاد السوفييتي. بل على العكس، فقد أسهم في تعزيزٍ أبعد لضغوط كل طبقة برجوازية على الحزب الشيوعي. و ذلك، في وقت كانت الحرب تهز فيه و بشدة، ليس فقط الطبقة البرجوازية نفسها، بل و أيضاً الملكية الرأسمالية، اعتماداً على الأضرار التي تسببها العمليات العسكرية. و هي لم تُحضِّر الحركات العمالية لشن هجوم مضاد في ظروف أزمة السلطة البرجوازية بصيغتها الفاشية أو بغيرها، حتى في الوقت الذي كانت فيه هيبة الاتحاد السوفييتي وإعجاب الملايين، قد بلغا ذروتهما نظراً للملاحم التي سطرها الشعب السوفييتي والجيش الأحمر. مما زاد بشكل كبير من نفوذ ومكانة سلسلة من الأحزاب الشيوعية، نظراً لدورها الرائد في النضال ضد الفاشية و نضال التحرير الوطني.

و من غير الممكن قبول حجة وجوب تفكيك الأممية الشيوعية من أجل الإطاحة بالدعاية الهتلرية المناهضة للشيوعية، فضلاً عن دعاية جميع خصوم الأحزاب الشيوعية، الذين وصفوها بأنها "أداة" يحركها الأجانب.

و كان القرار قد قلل من شأن حدة التناقضات الإمبريالية البينية التي قادت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية. فعلى سبيل المثال، كانت المصالح الفورية وطويلة الأجل للبرجوازية اليابانية في المحيط الهادئ وشرق آسيا المتواجدة على المحك، هي التي أجبرت اليابان على ألا تعتدي على الاتحاد السوفييتي، بل على الولايات المتحدة.

و أضفى القرار سمة المطلق على الاختلافات في ظروف عمل الأحزاب الشيوعية، مما أنتج تقليل شأن و تصفير ما كان مَعلماً أساسياً و مشتركاً لجميع الأحزاب الشيوعية: أي واقعة نشاطها في ظروف الرأسمالية، خاصة في الظروف التي صاغتها الحرب الإمبريالية العالمية.

و عدا ذلك، فإن ضرورة وجود مركز شيوعي أممي لا تتحدد من قوة و نضوج الأحزاب الشيوعية، بل من حاجة وجود استراتيجية ثورية موحدة للأحزاب الشيوعية ضد الإمبريالية الدولية، في كل الظروف. و بالتالي، ركيك هو الزعم القائل بأن الأحزاب الشيوعية كانت قد تعززت و نضجت، و لهذا السبب فقد أصبحت الأممية الشيوعية قديمة.

و من ناحية أخرى، إن ما جرى في الممارسة لم يكن صحيحاً، أي أن يعمل الحزب الشيوعي لعموم  روسيا (البلشفي) بنحو غير رسمي كمركز شيوعي أممي، و ذلك بمعزل عن مكانته، و عن حقيقة قيادته البناء الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي بعد أول ثورة اشتراكية ظافرة بالنصر، و لعبه دوراً قيادياً في إسقاط الفاشية.

هذا و كان بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني الصادر بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الأممية الشيوعية قد سجَّل ما يلي: "مختلفة هي مسألة توسيع الصيغة التنظيمية التي يجب أن تمتلكها وحدة الحركة الشيوعية الأممية وطريقة عملها، و بالتأكيد و دائما مع مقدمة تشكيل استراتيجية ثورية واحدة".

و في الوقت ذاته يُجري البيان تقييماً يقول:"برزت بنحو ملحٍّ بعد الحرب العالمية الثانية ضرورة النشاط الموحد للحركة الشيوعية الأممية في وجه هجوم الإمبريالية الدولي المضاد. كان التعبير عنها قد تمثل في تشكيل مكتب المعلومات (كومِنفورم) من قبل ممثلي 9 أحزاب شيوعية وعمالية (الاتحاد السوفييتي، يوغوسلافيا، رومانيا، بلغاريا، بولندا، تشيكوسلوفاكيا، المجر، فرنسا و إيطاليا) في سكلارسكا بوريبا في بولندا (22-28 أيلول\سبتمبر 1947) . حيث حُدّد تبادل المعلومات وتنسيق العمل كهدف له خلال الاجتماع التأسيسي. في الواقع، لعب مكتب المعلومات دوراً إرشادياً في الحركة الشيوعية الأممية، على رغم من أنه لم يكن بأي حال قادراً على تغطية حاجة تشكيل أممية شيوعية جديدة. تم تفكيكه عام 1956، نتيجة للإنعطاف الانتهازي اليميني (بعد المؤتمر اﻠ20 للحزب الشيوعي السوفييتي) والأزمة في الحركة الشيوعية الأممية.

و من ثم تمثلت أشكال جديدة أكثر ترهلاً لتنسيق الحركة الشيوعية الأممية، في المؤتمرات الأممية للأحزاب الشيوعية والعمالية، و هي التي لم تَصُغ مقدمات استراتيجية ثورية واحدة في وجه النظام الإمبريالي الدولي".

عن المحاولات المعاصرة الجارية في الحركة الشيوعية الأممية

في مقال "البرافدا" تجري مطابقة ضرورة وجود مركز شيوعي أممي واستراتيجية ثورية مع الممارسة الخاطئة لتحويل الحزب الشيوعي لعموم روسيا (البلشفي) إلى مركز شيوعي أممي غير رسمي. و يُستنتج بهذا النحو، أن كل ما هو مطلوب هو تبادل المعلومات بين الأحزاب الشيوعية، كما سعى الكومينفورم وفق رأي مؤلف المقال. هذا و قدم المقال التقييم التالي: "لسوء الحظ، إن تفكيك الكومينفورم نتيجة تقرير نيكيتا خروتشوف في الجلسة المغلقة للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي حول عبادة شخص ستالين، أدى إلى القضاء على أدوات الإعلام الممنهج حول أنشطة الأحزاب الماركسية اللينينية في العالم. فلا الاجتماعات الدورية للأحزاب الشيوعية والعمالية، التي  أجريت حتى أواخر الثمانينيات، و لا اللقاءات السنوية للأحزاب الشيوعية والعمالية، التي بدأها الحزب الشيوعي اليوناني في أواخر التسعينيات، تفي بهذه الوظيفة. و هذا يؤثر سلبا على وضع الحركة الشيوعية العالمية".

على أساس التقييم المذكور أعلاه، ينشأ التساؤل التالي: أيتواجد جذر الوضع الحالي للتراجع العميق للحركة الشيوعية الأممية، ببساطة في واقعة نقص الإعلام؟

 بادئ ذي بدء، نود أن نسجِّل أن بإمكان ما يزيد عن 120 حزباً منضوياً في قائمة SOLIDNET المشاركة في اللقاءات الأممية للأحزاب الشيوعية والعمالية، والتي بدأت بمبادرة من الحزب الشيوعي اليوناني، ولكنها تعقد الآن تحت المسؤولية الجماعية لمجموعة العمل الخاصة بها. و على مدى كل هذه الأعوام، تم إجراء 21 لقاء أممي للأحزاب الشيوعية والعمالية، حيث باستطاعة الأحزاب الإعلام عن مواقفها. بينما يجري إصدار "نشرة إعلامية" إلكترونية تحتوي مواد لقاءات الأحزاب الشيوعية. و في عام 2020، وبسبب الوباء، لم يكن من الممكن إجراء اللقاء الأممي للأحزاب الشيوعية والعمالية، وتم إصدار طبعة إلكترونية خاصة من "النشرة الإعلامية" تحتوي على مواقف الأحزاب.

بالإضافة إلى ذلك، على أساس اللقاءات الأممية للأحزاب الشيوعية و العمالية يجري تشغيل موقع  مشترك للأحزاب الشيوعية تحت اسم سوليدنِت (http://www.solidnet.org) و هو تحت مسؤولية الحزب الشيوعي اليوناني، حيث يمكن للأحزاب الشيوعية نشر أخبارها، كما و برامجها، وقرارات لجانها المركزية، وهيئاتها القيادية، و غيرها من وثائقها. و على سبيل المثال، في السنوات العشر الماضية تم نشر أكثر من 16 ألف مادة أرسلتها الأحزاب الشيوعية والعمالية إلى هذا الموقع. و نسجِّل على سبيل الذكر لا الحصر، نشر 3338 مادة في الموقع عام 2020، بينما نشرت عام 2019 مختلف المواد التي بلغ عددها 3158 باللغات (الإنكليزية، الإسبانية، الروسية، العربية، البرتغالية، و غيرها) ، والتي اختارت الأحزاب إرسالها لموقع سوليدنِت بغرض نشرها.

علاوة على ذلك، يُشغَّل فوق أساس SOLIDNET نظام إضافي لتبادل سريع مشترك لمعلومات الأحزاب الشيوعية. حيث يتلقى من خلال هذا النظام، بنحو يومي ما يزيد عن 500 مشترك، هم أحزاب شيوعية بنحو رئيسي، وصحفها و باقي وسائل إعلامها، عدا كوادر هذه الأحزاب، عبر البريد الإلكتروني، مجموع ما اختارت نشره في اليوم المحدد مُختلف الأحزاب الشيوعية من كل أنحاء العالم على موقع سوليدنِت.

حيث ليس من قبيل الصدفة زيارة موقع سوليدنِت في عامي 2019 و 2020 من قبل آلاف البشر من أجل إحاطتهم إعلامياً. و على هذا النحو، تظهر إحصائيات عام 2020 أن متصفحي موقع سوليدنِت كانوا متواجدين في 161 بلداً (176 بلداً، عام 2019)، أي في بلدان أكثر بكثير من عدد بلدان الأحزاب الشيوعية والعمالية المنضوية في قائمة SOLIDNET، و ذلك حتى من بلدان لا يتواجد بها للآن حزب شيوعي على الإطلاق.

هذا و ينبغي أن نسجِّل ختاماً، أن عدداً هاماً من الأحزاب يمتلك صفحاته الحزبية أو الإعلامية، على عكس ما كان قبل 20-30 عاماً، حيث بإمكان أي شخص الآن استمداد المعلومات إذا ما أرادها. و على هذا النحو، فإن للحزب الشيوعي اليوناني، موقعه الحزبي: https://www.kke.gr/ باللغة اليونانية و بعشر لغات أخرى، في حين باستطاعة أولئك الذين يتقنون اليونانية أن يُعلموا يومياً بواسطة النسخة الإلكترونية من صحيفة الحزب: https://www.rizospastis.gr/  و بوابته الإعلامية  https://www.902.gr/ أو  موقع مجلته النظرية السياسية " كومونيستيكي إبيثيوريسي"-https://www.komep.gr//.

هذا و من الواضح أنه لا يزال من الممكن عمل الكثير بشأن مسائل المعلومات ولكن أتتواجد مشكلة الوضع السلبي الحالي في مسألة المعلومات و الإحاطة الإعلامية؟

وفق تقديرنا، يجب أن نبحث في مكان آخر عن المشكلة. حيث تتمثل جوانبها في:

"احتفاظ أحزاب كثيرة بلقب "شيوعي"، لكن تكوينها الأيديولوجي- السياسي والتنظيمي لا يتماشى مع الخصائص الشيوعية، و مع أيديولوجيا الشيوعية العلمية، والاستراتيجية و البرنامج الثوريين المتطابقين مع حزب عمال ثوري لينيني.

دون التقليل من أهمية قيام سلسلة من الأحزاب بالتذرع بالماركسية اللينينية، لكي تقوم بفصل موقفها عن أولئك الذين تبرؤوا علانية من أيديولوجيتنا، مع ذلك، لا تزال العديد منها ممتلكة لمقاربة طبقية ضعيفة للغاية لظواهر الرأسمالية المعاصرة، و الصراع الطبقي على أساس الأيديولوجية الشيوعية والتحليل المادي الديالكتيكي للتاريخ والظواهر الاجتماعية المعاصرة...

و غالباً ما تسيطر في مقاربات أحزاب شيوعية، تأثيرات أيديولوجية برجوازية-انتهازية، مما يحوِّل أي استدعاء لها لنظريتنا الكونية، من أساس نظري وأداة منهجية علمية لفهم المجتمع وتغييره إلى "قائمة أمنيات".

باختصار، لا تزال الصورة السلبية العامة قائمة، سواء في بلدان القمة الرأسمالية (الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي، المملكة المتحدة، اليابان، الصين، روسيا)، كما و في البلدان والمناطق التي تشكِّل بؤر تدخلات إمبريالية[2]".

 و تتمثل المشكلة المتمظهرة عموماً، في الإستراتيجية الانتهازية الراسخة منذ عقود عدة، أي استراتيجية المراحل، "التي تُدرج بهذا الأسلوب أم سواه، هدفاً حكومياً فوق أرضية الرأسمالية (مناهضاً للديكتاتورية، مناهضاً للاحتلال – و من أجل التحرير، ديمقراطياً- مناهضاً للإمبريالية، مناهضاً للفاشية - مناهضاً للليبرالية و ما شاكله[3]".

"مماثل هو الوضع القائم في الحركة النقابية إجمالاً، حيث تهيمن قيادات نقابية و نقابات متوافقة مع الحكومات البرجوازية وأرباب العمل، بينما يتمثل مطلبٌ كبيرٌ في ربط معظم الأحزاب الشيوعية بالطبقة العاملة، حتى تمتلك الأحزاب مواقع جديدة و دوراً قيادياً في الصراع الطبقي...

يُخاض ضمن صفوف الحركة الشيوعية الأممية صراع أيديولوجي - سياسي شديد حول سلسلة من المسائل، كمقاربة الرأسمالية و النظام الإمبريالي الدولي.حيث تسود الآراء القائلة بتحمُّل الرأسمالية، وإمكانيات "إضفاء الطابع الإنساني" عليها و "دمقرطتها" واستخدام إنجازاتها التكنولوجية لصالح القوى الشعبية مع قيام تدخل سياسي نشط للأحزاب الشيوعية أيضاً على المستوى الحكومي....

و تجري فوق هذه اﻷرضية، إعادة إنتاج المواقف حول "وحدة اليسار" و "القوى الديمقراطية أو الوطنية" و "التعاون مع الاشتراكية الديمقراطية اليسارية" و "حكومات يسار الوسط" و "الجبهات الجديدة المناهضة للفاشية والنيوليبرالية" و ما شاكلها...

...و يُخاض صراعٌ أيضاً حول الحتميات الاقتصادية و السياسية للثورة والبناء الاشتراكيين. و للمجتمع الشيوعي، بالتركيز على تفسير البناء الاشتراكي الشيوعي أثناء القرن العشرين و على أسباب انقلابات الثورة المضادة....

...هذا و يتشكل في سلسلة من اﻷحزاب الشيوعية موقف انتهازي قائل بأن "الاشتراكية تبنى في الصين بخصائص صينية"، مع توافق معين مع رأس المال، و رؤية خاطئة تقول أن روسيا ليست قوة إمبريالية بل بلد رأسمالي من "بلدان أطراف" النظام الإمبريالي، و أنها تلعب مع "الصين الإشتراكية" دوراً إيجابياً في التطورات الدولية. إن هذه المقاربة التي تشكل فصلاً للسياسة عن الاقتصاد، تناهض الرؤية اللينينية للإمبريالية.

يعتقد حزبنا أن دراسة البناء الاشتراكي في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية هو مكسب كبير. إن معظم الأحزاب الشيوعية، التي لم تُقدِم على إنجاز دراسات ذات صلة، لا تزال تمتلك التباسات كبيرة للغاية بشأن طابع الصين وروسيا و الدول الأخرى المندمجة في النظام الإمبريالي. و باستطاعة هذا اﻷمر أن يجلب عواقب مأساوية على موقفها من مسألة الحرب في عصر الإمبريالية، حيث ينبغي على الحركة الشيوعية و مع حفاظها على جبهة ثابتة ضد المراكز الإمبريالية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ألا تنجر إلى جانب أية قوة إمبريالية، بل يجب عليها أن تدافع باتساق عن المصالح الطبقية للطبقة العاملة في صدام مع طبقة بلادها البرجوازية، و ألا تختار "علماً غريباً" تحت ضغط قوى البرجوازية الصغيرة كما و ضغوطات القومية الممارَسة على القوى العمالية.

إن الشيوعيين مطالبون بتعزيز الجبهة و على حد السواء، ضد رؤى الكوسموبوليتية التي تقارب بنحو غير طبقي مسألة التحالفات الدولية للطبقات البرجوازية (الاتحاد الأوروبي، الناتو، البريكس، و ما شاكلها)، و كذلك ضد رؤى القومية و "النقاء العرقي للأمة والثقافة" و سواها من الرؤى العنصرية الأخرى التي تتنامى ضد اللاجئين والمهاجرين[4]".

لقد أكد المؤتمر اﻠ20 للحزب الشيوعي اليوناني (30 آذار\مارس- 2 نيسان|أبريل 2017) على:

"إن إعادة تشكيل الحركة الشيوعية الأممية و تطويرها، هي مهمة دائمة و ثابتة لحزبنا" و أنها "نابعة من الطابع العالمي للصراع الطبقي" و على أن"الحركة الشيوعية الأممية متواجدة إجمالاً في تراجع، و تجد صعوبة في الرد على هجوم العدو الطبقي، الذي لا يجري فقط عبر استخدام القمع، بل بوسائل أيديولوجية سياسية، مع تأثير الانتهازية". إن الحزب الشيوعي اليوناني يطور مبادرات لصياغة مقدمات من شأنها أن تعطي دفعاً لتبني استراتيجية مشتركة للأحزاب الشيوعية من خلال مختلف الأشكال المناسبة، كمثال المبادرة الشيوعية الأوروبية، و "المجلة الشيوعية الأممية" في حين، لا يزال قائماً بالنسبة لحزبنا، هدفُ تشكيل قطب ماركسي لينيني في الحركة الشيوعية الأممية. إن حزبنا هو على وعي "بأن عملية إعادة التشكيل الثوري ستكون بطيئة الحركة و شديدة العناء و عرضة للنكسات، و ستستند على امتلاك الأحزاب الشيوعية لقدرة التعزز المتكامل النواحي: الأيديولوجية السياسية و التنظيمية في بلدانها. مع التغلب على المواقف الخاطئة التي سيطرت على مدى عقود سابقة ضمن الحركة الشيوعية الأممية، و التي يعاد إنتاجها في صيغ متعددة اليوم. كما و مع امتلاكها لأسس متينة ضمن الطبقة العاملة و في القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد، و تعزيز مداخلتها في الحركة العمالية الشعبية". حيث سيتعزز كل حزب شيوعي يربط نشاطه الثوري بالنظرية الثورية.

راهني لا يزال شعار "البيان الشيوعي" : "يا عمال العالم، اتحدوا!"

 



[1]      لينين: “وضع و مهام الأممية الإشتراكية". الأعمال الكاملة، المجلد 26، نشر في 1 تشرين الثاني\نوفمبر 1914 في صحيفة "سوسيالديموكرات".

[2]     موضوعات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني من أجل مؤتمر الحزب اﻠ21.

[3]     موضوعات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني من أجل مؤتمر الحزب اﻠ21.

[4]     موضوعات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني من أجل مؤتمر الحزب اﻠ21.